أي فعل وطني واجتماعي مرتقب للاتحاد العام التونسي للشغل في أفق الأسابيع الخمس المقبلة؟
في ظل تطورات الإقليم الدراماتيكية وبناء على تجنده لإنجاح المبادرة الثلاثية

بقلم ثريا بن محمد – كاتبة صحفية
الخطوات الأخيرة للاتحاد وتجنده الكامل لإنجاح المبادرة الثلاثية وبقائه ضمن مثلث “الوقائعية” و”الواقعية” و”الوقيعة”، أكدت أنه لا يزال اليوم وفي المستقبل ضمن مربعات الرهانات الكبرى وخاصة خلال الأسابيع الخمس المقبلة والتي يتكون استثنائية في حسم معارك عدة في البلاد وبغض النظر عن تقييم الفعل السياسي للاتحاد طيلة سنة 2022 وبداية سنة 2023 فإنه لا يُمكن تغييب أن الاتحاد هو المنظمة الوحيدة تقريبا التي راوحت بين الواقعية والإصرار على دور الشريك الوطني من جهة والشريك الاجتماعي الأبرز من جهة ثانية، ورغم الجدل القائم والمستمر بين أنصاره إلا أن الاتحاد وبناء على ما جد من تطورات هائلة سياسيا واجتماعيا وإقليميا سيعتمد استراتيجيا مرنة ولكنها صلبة من حيث الوضوح السياسي، فأي رهانات مستقبلية للمنظمة الشغيلة قد تحول منذ نهاية الأسبوع الماضي الى أحد الأضلع الرئيسية التي ستحدد ارجحية أي من السيناريوهات التي ستتجه لها البلاد روغم أنه وقف لمدة سنة ونصف في موضع وسط ومتبعا سياستي “الحذر” و”جس النبض”، وهنا يمكن البحث في الإجابة على سؤال ثان ورئيسي وهو: هل سيكون الاتحاد فاعلا رئيسيا في تطورات الاحداث أم سيدفع للوظيفية – وظيفية مركزيته – بغض النظر عن نسبتها؟
- واضح أنالمؤتمر الأخير للاتحاد (المؤتمر 25 للاتحاد منذ أكثر من سنة في صفاقس)، كان فرصة فعلية للمنظمة لتغيير مسارها باتجاه خدمة القضايا الكبرى لتونس على المستوى الاستراتيجي وخاصة في ظل الارباك الذي حصل للمنظمة طوال السنوات الماضية وأيضا بناء على التطورات الجارية في الإقليم وعلى المستوى الدولي، وتم فعليا في ذلك المؤتمر انتخاب قيادة استطاعت منذ نهاية اشغال المؤتمر تغيير وجه “الاتحاد” والذي وجد نفسه منذ أكثر من سنتين وكأنه حزب له حساباته وتحالفاته، وهو ما جعله في ورطة عشية عرض حكومة “بودن” للإجراءات المؤلمة الثلاث (تجميد الأجور-رفع الدعم – بيع المؤسسات التي تعرف صعوبات منذ اكثير من عقدين)، ولكن الطبوبي وفريقه استطاعا الخروج من ذلك المأزق الوضع عبر إعادة تموقع والخروج من حالة الترقب التي تم توخيها منذ 25-07-2021 وعبر الرهان الحقيقي الحالي وهو أن يصبح الاتحاد شريكا اجتماعيا يعمل ما في وسعه على تحقيق مكاسب منظوريه ومنتسبيه من موظفين وعمال دون ان يكون ذلك على حساب إمكانيات الدولة وظروفها، ومن ثم يكون طرفا في الحل لا طرفا في التعطيل وفي نفس الوقت شريكا في كل الخيارات والاختيارات بما في ذلك السياسية تحديدا وهو ما يعني ان يكف عن التعجيز وإغراق ميزانية الدولة بزيادات متتالية أكبر من قدرة البلد الحقيقية ولكن أيضا دون التخلي عن الخيارات الرئيسية سياسيا واجتماعيا ودون السماح بمس من الحريات العامة ودون ضرب المسار الديمقراطي…
- “الاتحاد“ هو الطرف الأقدر اليوم في ظل خلافات المعارضة وتشتتها على فهم ديناميكيا الاتحاد وطبيعة الرهانات المستقبلية في تونس خاصة وأنه كان شريكا في الحقبات الأربع (حقبة بورقيبة، حقبة المخلوع – حقبة عشرية الثورة-حقبة ما بعد 25-07-2021) على الأقل في التعاطي مع الملفات الاجتماعية في الحقبتين الأولى والثانية وشريكا سياسيا كبيرا إضافة للاجتماعي في الحقبة الثالثة، ومعلوم أن الاتحاد يعرف ويعي بحكم اعتماده على فريق استشاري ومركز دراسات أقرب للميدان وللواقع المعيش ومن ثم فهو محسن في معرفة ما يجري كما هو مُحين فيما يخص ما يجري في الإقليم وطبيعة وماهية التحولات الدولية وهو طرف له ثنائية التعاطي مع الوطني والاجتماعي إضافة الى امتداده في الجهات وأيضا على مستوى القطاعات، ومن ثم فهو بإمكانه الرد على الحكومة في كل ما هو اداري واجتماعي وجهوي وقطاعي…
- قوة الاتحاد وما يمتلكه من هامش المبادرة وجمع الأطراف وديناميكيا التنسيق بينها ولعبه على التوازنات لم ولن يغيب انه قد أوقع نفسه خلال الأشهر الماضية ضمن مربعات فخ التحجيم وهو ما لم يغادر مربع التجاذبات الداخلية التي تشقه وان تم التحكم فيها حتى اليوم وان قبل الاتحاد بخط احمر وهو عدم استعمال الشارع لإجبار الحكومة ومنظومة الحكم ككل لتتراجع في خطوات ضاعفت واقعيا حدة الازمة السياسية ولم تتقدم أي انملة في معالجة كارثية الوضع الاجتماعي بشكل أوجد عقلية الازمة وفكرة الإنقاذ لدى الجميع وجعل المبادرات تتقاطر وتتراكم في كل الاتجاهات، ولا خلاف في أن كثيرين ينادون بتحجيم الاتحاد سواء وظيفية منهم لأجندات ضرب النقابيين والحق النقابي أو بناء على قناعتهم في أن “الاتحاد” هو جزء من الأزمة وهم اليوم منتشرون في المعارضة بكل مكوناتها وأيضا في مربعات الحكم، ووضاح أن هناك أطراف تسعى من داخل السند السياسي لمسار 25-07 بحشر “الاتحاد” في الزاوية واللعب على التباينات الكثيرة داخله (وهي محدودة ولكنها تقوم على ابعاد عدة سياسية وفكرية واجتماعية)…
- للاتحادخطوط حمراء ثلاث وله ثلاث لاءات في رأينا، وهي “لا تهميش لدور الاتحاد”، “لا للإجراءات المؤلمة” – “لا لمنطق العودة للوراء” (لا قبل 24-07 ولا قبل 2010 ولا قبل 1986)، والحقيقة أن مواقف الاتحاد وتحديدا الهيئة الإدارية قد بقيت في مربع تحديد استراتيجيا مستقبلية مبنية على تلك اللاءات الثلاث، والتي تعني أولا وأخيرا ان الاتحاد طرف وطني رئيسي وأنه الشريك الاجتماعي الأقوى، بل والأفضل والقادر ان يكون خيمة الجميع، وانه لا تنازل عن المكاسب الاجتماعية والمكاسب الوطنية والثورية، وان كل استراتيجيا مستقبلية ستنبني على تلك المعطيات والمواقف وما عدى ذلك فيتم التعاطي معه بناء على ان الحوار هو لغة التعاطي مع أي شريك وطني سياسيا كان او اجتماعيا وانه لا سبيل للتدخل في شؤون المنظمات وان الحسم الديمقراطي وفقا للقوانين الأساسية الداخلية، وبالتالي فالحكومات والوزارات لا شأن لها بما يهم المنظمات ومؤتمراتها وأن القانون هو سيد الجميع وانه لا ولاء الا لتونس ولشعبها وخياراته والتي يحددها عبر صندوق الاقتراع دون غيره ….
- سيتوضحخلال الأيام القادمة اصطفاف الاتحاد وترتيبه لأولوياته وقراءاته للتطورات الجارية في المشهد السياسي والتغيرات الجيوسياسية الجارية في المنطقة وأيضا بناء على تطور كمي للملفات الاجتماعية ونسقية تعاطي حكومة “بودن” (بغض النظر عن درجة تغييرها ومن سيرأسها ) مع ملف الإجراءات الثلاث المؤلمة ( الدعم – الأجور – المؤسسات)، وواضح أن ملف الإضرابات مستقبلا سيكون محددا للخيارات وللتكتيكات ومن ثم تتبين طريقة واستراتيجيا رسم معالم السياسات المستقبلية للمنظمة في افق تنظيم الأسابيع الخمس القادمة من عدمه واي من سيناريوهات تطور الأوضاع سيترجح (وواضح أن أحدها هو الانفجار الاجتماعي والذي ساهم الاتحاد في تأجيله عبر واقعيته وقراءاته للأحداث وبناء على حسابات قياداته المركزية)، وأيضا سيرتبط فعل الاتحاد بطبيعة السلوك السياسي الذي سيقود منظومة 25-07 ما بعد الدور الثاني للانتخابات التشريعية وفي تنفيذ ما بقي من خارطة الطريق (وهي قد قاربت على نهايتها)، خاصة وأن قبول “سعيد” بمبادرة الثلاثي مستبعدة جدا وهو لم ولن يقبل باي حوار خارج عن رؤيته للتطورات والاحداث…
- الخلاصة أن الاتحاد يراوح اليوم بين قوة الموقع وحرج الخيارات في ظل أزمة سياسية واجتماعية وفي ظل إقليم متقلب ومتغير النسقية والاحدث وخاصة في علاقة التأثير والتأثر بالنسبة لتونس، والاتحاد يبقى رقما قويا وطينا واجتماعيا وما يختلف فيه الآن وما هو مبهم هو مربعات دوره المستقبلي والذي يراد تحجيمه مثله مثل تحجيم دور الأحزاب وما سيجري في الأسابيع القادم وان كان تكتيكيا ومرحليا مقارنة بما بعد 2024 الا أنه رئيسي ومهم جدا لأنه سيُحدد الخيارات الكبرى لتلك المرحلة (طريقة وآليات التوافق الاجتماعي والسياسي – القانون الانتخابات – مستقبل البلديات – مستقبل الاستثمار وملفات المالية والتوجه الاقتصادي – مستقبل المؤسسة التشريعية ومستقبل التعليم وآلياته وعلاقته بالخصوصيات الحضارية للبلد…)
المصدر: صحيفة الراي العام بتاريخ 27-1-2023