تحاليل

خلفيات وظيفية “عبير مُوسي” ومستقبلها التنظيمي والسياسي

بعد ابتعاد أمينين عامين سابقين واستحواذها على كل الهياكل والصفات

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي

 

تبين للرأي العام وكل المتابعين خلال السنتين الماضيتين أن سردية تقدم “الحزب الدستوري الحر” في نتائج التصويت ليست سوى كذبة تم الترويج لها بإحكام من طرف بعض وظيفيين لأجندات سياسية وإقليمية، كما انكشفت الشعبية الزائفة خلال التحركات التي قادها الحزب خلال الأشهر الماضية خاصة تلك التي تم تنظيمها بالتوازي مع تحركات بقية أطرف ومكونات المعارضة (جبهة الخلاص-الأحزاب الخمس – بقية معارضين)، ولعل تحركي 15 أكتوبر 2022 و14 جانفي 2023 قد بينا محدودية شعبية الحزب وانحسارها في مربعات جد ضيقة، ولكن كيف يمكن قراءة استمرار وظيفية الحزب وزعيمته وتقلبات مواقفها واصطفافها وبهتتها إزاء التطورات الجارية؟، وأي مستقبل سياسي لها ولحزبها وخاصة في ظل عدم وضوح أرجحية أي من السيناريوهات الأربع المرتقبة لتطور الأوضاع السياسية في البلد في فق نهاية مارس القادم؟

  • أولا، لا يختلف اثنان في وظيفية “عبير موسى” وحزبها لمنظومة ما قبل 2010 فهي ورغم استقالتها يوم 17-02-2011 من حزب “التجمع” المنحل وإشادتها بثورة الحرية والكرامة -ويمكن العودة الى يوميتي “الشروق” و”الصباح” للاطلاع على نص تلك الاستقالة- كما لا يمكن اغفال الالتقاء الموضوعي لعبير موسي مع أجندت قوى إقليمية ودولية في قراءة المشهد السياسي التونسي والرغبة في دفعه في اتجاه بعينه، وهنا يمكن الجزم بوظيفيتها السياسية للمحور الإقليمي المصري/السعودي/الإماراتي (والذي تفكك موضوعيا وتباينت قراءاته للتطورات لأكثر من ملف على غرار تطورات الاحداث في ليبيا كمثال للذكر لا الحصر)، بل ويمكن الجزم أن مستقبلها السياسي لا يزال مرتبط موضوعيا بمستقبل الجنرال المتقاعد “خليفة بلقاسم حفتر” والذي تجمع كل القراءات انه انتهى سياسيا كشخص وسيتواصل بصيغة ما كمشروع، كم يمكن الجزم أن فعلها وموقفها السياسي يلتقيان موضوعيا مع قراءات أطراف دولية وأولهم الفرنسيون، وعلى عكس ما كانت تدعي وتنتقد التقاء سياسيين مع سفراء أجانب فانها قد التقت وفي أكثر من مناسبة مع أكثر من سفير أجنبي ويكفي العودة لصفحاتها على الشبكات الاجتماعية للوقوف على ذلك…

 

  • ثانيا، بلغة الربح والخسارة وبعد عام ونصف على حدث/انقلاب 25-07 يمكن الجزم أن أكثر طرف خسر سياسيا وشعبيا هو “الحزب الدستوري الحر” وخاصة زعيمته، وهذه الأخيرة لم تعد معبرة لا عن الأطراف الدستورية (ولم تكن موضوعيا كذلك منذ صعودها لرئاسة الحزب في أوت 2016)، وتبين لكثيرين أنها ركبت موجة البورقيبية بينما هي لم تلتفت للرئيس الأسبق يوما أثناء دخولها مسارح الفعل السياسي والتنظيمي في التجمع الدستوري الديمقراطي)، كما أنها تُغالط الراي العام في مسالتي علاقة بورقيبية بالإخوان المسلمين وفي موقفه من الانضواء تحت مربعات السياسة المصرية ويكفي سؤال أي مؤرخ نزيه ليُدلل على مغالطتها في ذلك الاطار، وبالعودة للراهن السياسي يمكن الجزم أن عبير موسى قد أخطأت الحساب فهي لم تكن سوى قنطرة بُني عليها مسار 25-07 للمرور لتفعيل الفصل 80 بل يمكن القول انها كانت تنتظر وترتقب ظهور القطار2 ليعوض قطار 25-07 ولكن ما تم هي ن القطار2 لم تمرره سكة الأحداث وسقط بينما لا يزال القطار الأول يمضي في مساره وان ببطء ومصاعب وصعوبات جمة…

 

  • ثالثا، لو هناك قراءات سياسية واعلام نزيه في بُعده التحليلي لسُألَت عبير موسى سياسيا ما الخلاف الحقيقي بينها وبين مسار “سعيد”، ولماذا لم تشارك في انتخابات 17 ديسمبر خاصة وأنه كان بإمكانها ان تكسب الكثير (إقصاء خصومها الحقيقيين واولهم حركة النهضة – تربح كتلة كبيرة) وطبعا لن تُجيب “عبير” عن ذلك السؤال لأنها قد تفتح على نفسها أبواب “جهنم السياسية” حتى بين أنصارها، والحقيقة التي تريد أن تخفيها أن “سعيد” قد وظفها لخدمة مشروعه وانها اعتقدت أنها ستوظفه للالتقاء مع راكبي القطار 2 وأنهم – أي راكبو ذلك القطار- يومها سيختارونها لقيادته (وقد عبرت عن ذلك بألفاظ وعبارات واضحة وفي أكثر من مناسبة عندما قالت في أكثر من مرة “عندما نتسلم المقود”)، ولحقيقة أن “عبير موسى” ورغم استبسالها ميدنيا في الدفاع عن حزبها وخيراتها السابقة إلا أنها تعرف وتعي أنها خسرت الكثير وهو ما استوعبته وأخفته عن غيرها وتحديدا منذ أسابيع في “شارع بورقيبة” وتحديدا يوم سقطت مغشيا عليها (لا صحيا فقط) بل وعيا منها بالهزيمة وخاصة بعد حديثها عن المهندس الكبير وهي المرة الثانية التي تتحدث فيه عن برمجة المهندس اذ تحدث المرة الأولى عن ذلك قبل 25-07-2021 بثلاث أيام ونيف ( ذكر عبارة “المهندس” هي  طريقة أخرى لم عبر عنه المرحوم الباجي قائد السبسي بقوله “لمسؤول الكبير” وكل ما سبق يؤكد ويشير أن “عبير موسى” ليست شخص بل هي تحديدا مربع من مربعات مشروع…

 

  • رابعا، تَعي “عبير موسى” والمقربين منها أن هناك مشاريع كثيرة منافسة لها في وظيفيتها لمنظومة ما قبل 2010 وأيضا للإقليم ولأطرف دولية ترى في أمثالها مشاريعا يمكن أن تحافظ لها على مصالحها وبالتالي فهي تعي أن ادعاء الوطنية في المشاريع السياسية هو أسلوب كلامي لا غير لان الوطنية يدعيها الجميع أولا وثانيا لان الوطنية الحقيقة يحافظ عليها الشعب وهياكل الدولة وقواها الصلبة، ومن ثم فانه وحتى من داخل الدساترة بمعنى المدرسة السياسية (لأنه واقعيا وفعليا لم يعد هناك دساترة في الساحة ورفضوا بين 1988 و2010فكرة ومسار التجمع بحضور المخلوع “بن علي”) تعدد الرافضون للانضواء تحت لافتتها بل واصبحوا خيارات مرتقبة مستقبليا على غرار “الزنايدي” و”لشعري” وآخرين أيضا، هذا على مستوى الأشخاص ام هيكليا فان مجموعة “منتدى الجمهورية” و”حركة قرطاج الجديدة” و”الجمهورية الثالثة” لم ولن يقبلوا بها واقصى ما يمكن ان تنجزه معهم ان يتحالفوا معها تكتيكيا وفي ملف من الملفات وليس كمسار مستقبلي، كما أن حتى “العكروت” و”حاتم بن سالم” وآخرين ليس بالضرورة سيقبلون بها حتى كحليف وإن أبدوا حاليا العكس…

 

  • خامسا، لقد قامت “عبير موسي” بالأدوار الوظيفية المناطة بعهدتها عن قناعة ووعي أو سقوطا منها في الوظيفية غير الواعية مثلها مثل “محمد” و”سامية عبو” وكثير من سياسيي ما قبل وبعد 2011، والثابت سياسيا أن الوظيفي لا يختار حتى مستقبله بل يُختار له وتتم برمجته واكراهه على المضي في مسارات بعينها كما يتم اختيار توقيت خروجه من مسرح الاحداث، وبناء على ذلك يمكن الجزم أن مستقبل “عبير موسي” تنظيميا وسياسيا قد قارب على نهايته في جزئه الأول خاصة وأن الإقليم في حالة تطور دراماتيكي وان كل السيناريوهات المستقبلية الممكنة في تونس لا مكان متقدم فيها لعبير موسى (طبعا وفق تحليلنا وقراءاتنا) والسبب الرئيسي طبعا هو أن في تقلص هامش تأثير المصريين والاماراتيين في مربعات الملف التونسي وطبيعة رؤية المجتمع الدولي للوضع في الإقليم وللملف التونسي تحديدا ومربعات “عبير” هي إقصاء الآخر المخالف وترذيل الثورة وللمسار الديمقراطي ولن يبقى لعبير سوى جني نتائج ما فعلته من كورث في البرلمان سنتي 2020 و2021 ولن يبقى من صورته سياسيا سوى “البوق” و”الخوذة” و”الصياح” وتلك مهام مهرجين وبلطجيين وفاشيين وليست مهام سياسي ينوي تصدر المشهد السيسي وأن يكون جامعا للتونسيين بغض النظر عن انتماءاتهم و خلفياتهم السياسية والفكرية والاجتماعية، و”عبير موسى” بفعلها السياسي في الطابق الخامس لدر التجمع (أمينة قارة) وما بعد الثورة من امعان في التلون والحربائية والوظيفية السياسية محليا وإقليميا، لا يمكن لها ان تكون لا رئيسا ولا رئيسة الحكومة ولا حتى رئيسة لحزب دستوري والأيام كفيلة بالحكم على هذا الحكم وهذه القراءة…

سادسا، الخلاصة، ان الدساترة سيتشكلون في إطار دستوري/وطني أو أكثر وهو اطار بغض النظر عن حيثياته وتفاصيله المستقبلية لم ولن تقوده عبير موسي بل ولن تكون كشخص جزء منه، وتونس ما بعد 2024 لم ولن يقوده شخص وظيفي سياسيا بل سيقوده صاحب مشروع و رجل/امرأة وفاق لقيادة مسار ديمقراطي جامع للتونسيين جميعا ومسنود بقوة من طرف قوى الدولة الصلبة (جيشا وطنيا وأمنا جمهوريا وقضاء مستقلا وإدارة محايدة)، وكل م سبق يعني انه في حد أدنى سيبقى  حزب عبير موسى الحالي رقما من بين 228 رقما سياسيا بل وسيكون حزبا صغيرا ضمن مسار تعددي ولن تكون عبير موسى بما فعلته وأتته من كوارث ووظيفية مقيتة سوى رقما من بين أرقام ذلك الحزب، وتلك هي نتاج تفاعلات وارهاصات ما تم في تونس وما يتم حاليا والسياسة في الأخير ربح وخسارة وتقدير وترتيب وترتيب وتقدير عبير موسى كن خاطئا منذ مؤتمر حزبها سنة 2016 عندما اقصت وطردت كثيرين وأين هما الامينيني العامين السابقين للحزب ولماذا استولت واستحوذت على كل المناصب والصفات، بل هي أصرت على خطأ تقديراتها لما جرى ويجري في البلد منذ 2019 والقطار 2 حتى لو عاد لسكته فلن تقوده عبير وهو ما تبين من الرسائل (وبعضه كان مشفرا) في تحركها يوم 14-01-2023 وما أتته من مواقف وتحركات ما بعده حتى اليوم…

المصدر:دورية 24/24 بتاريخ 26-1-2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى