التقارب التركي السوري هل يتجاوز المربعات الأمنية والبعد التكتيكي المرحلي؟

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي
** تمهيد
- أولا، أعلن متحدث باسم “حزب العدالة والتنمية” التركي الحاكم مطلع الأسبوع الجاري عن وجود لقاءٍ سيجمع الرئيس التركي “رجب طيب إردوغان” بنظيره السوري “بشار الأسد” ملمحاًإلى أن «الوقت قد حان لمد الجسور بين البلدين (سوريا وتركيا) وإجراء الحوار السياسي، وجاءت تصريحات “عمر تشليك” (المتحدث باسم الحزب التركي الحاكم) بعد أيامٍ من اللقاء الثلاثي الأمني الذي تم في موسكو نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث قابل وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” نظيره السوري “علي محمود عباس” وذلك بحضور وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” ورئيس استخبارات كلا البلدين “هاكان فيدان” و”علي مملوك” في لقاء هو الأول منذ بدء الحرب السورية التي أدت لقطع العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة قبل أكثر من 10 سنوات.
- ثانيا، قال مسؤول تركي كبير لوكالة رويترز، أول أمس الأربعاء 11 جانفي الجاري لإن تركيا والنظام السوري وروسيا يهدفون إلى تحديد موعد اجتماع لوزراء خارجيتهم هذا الشهر، وربما قبل منتصف الأسبوع المقبل، على الرغم من عدم تحديد موعد أو مكان الاجتماع بعد، ونقلت مصادر اعلامية عن معطيات حصرية حول احتمالية مشاركة الامارات في الاجتماع، ومعلوم أن التقارب التركي الاماراتي من جهة والتحالف القوي بين تركيا والجزائر في ملفات كثيرة قد اوجد مساحات كبيرة للالتقاء مع النظام السوري على الأقل في المربعات الأمنية والعسكرية خاصة وأن الاجتماع الأخير قد مثل أعلى مستوى للمحادثات بين أنقرة والنظام السوري منذ بدء الثورة السورية في 2011، ويشير إلى تحسن العلاقات في حدودها الدنيا…
- ثالثا، الملف السوري هو أعقد ملفات الصراع الدولي وهو شبكي الإشكالات والتفاصيل مقارنة بملفات قضايا الشرق الأوسط وهو يكاد يكون أعقد من الملف الفلسطيني من حيث حنايا تفاصيله ومربعات حله، ومعلوم أنه واضافة الى وجود كل الأطراف الدولية والإقليمية فيه فإنه معقد استراتيجيا وهو ملف لا يمكن لأي طرف دولي أو إقليمي استيعاب والتموقع في ثنايا مربعاته المختلفة وهناك ست أطراف دولية وإقليمية لا يمكن اخارجها منه وهم روسيا والولايات المتحدة وايران وتركيا والأطراف الخليجية وذلك يعني عدم وجود أدوار للاوروبيين والصينيين أو بقية اطراف إقليمية وهو ملف يلامس ملفات أخرى مفتوحة في المنطقة على غرار ملفات ليبيا والعراق واليمن والصومال وتونس وطبعا الملفين الفلسطيني واللبناني بشكل أساسي ورئيسي ومن ثم في سوريا بالذات تتوضح إشكالات ملفات الجهاديين والاكراد والإسلاميين بكل تياراتهم والبعثيين العراقيين والبهائيين والاحباش وغيرها من الملفات الحساسة في علاقات الإقليمي بالدولي…
- رابعا، منذ 2011 كان هناك تيارين في مربعات السلطة التركية في كيفية التعاطي مع الساحة التركية سواء في مربعات الحكومة (قبل تغيير النظام السياسي سنة 2018) أو في مربعات الفريق الاستشاري للرئيس رجب طيب أردوغان والمتكون من مئات الخبراء والفنيين والمختصين والدبلوماسيين، تيار أول دافع عن فكرة أخذ مساحة عن الملف السوري وفريق ثان دفع للتفاعل مع ما جرى ويجي في المنطقة وفي نفس الوقت وضمن تبيان الفريق وقدرة الفريق الثاني على المضي في دفع الحكومة والرئاسة لتبني خياراته كانت الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية تتدخل كل مرة للتعديل بما يتناسب مع الخيارات الاستراتيجية للدولة وخاصة في الملفين الأمني والعسكري وهو ما توضح بعد ما جرى في أفغانستان وفي أوكرانيا وفي أكثر من ساحة إقليمية وعبر عنه أيضا التقارب مع القاهرة والرياض وأبو ظبي منذ حوالي السنة وعبر عقد بعض قمم وزيارات وتواصل…
- خامسا، يغيب البعض من قارئي الاحداث الخلفيات التاريخية للعلاقات بين دمشق وانقرة وطبيعة المتغيرات التي جدت في المنطقة وطبيعة العوامل غير الظاهرة ومن ثم فان أي تعامل سطحي مع الاحداث والجنوح الى القراءات المتسرعة والمرتكزة الى العاطفة أو الأيديولوجيا فهي قراءات لن تستطع بالضرورة استشراف مستقبل العلقات بين العاصمتين، وسنحاول في مقال/قراءة الحالي اجابة على سؤالين رئيسيين فقط دون غيرهما ماهي آفاق العلاقات بين البلدين في افق نهاية سنة 2023 وهل ستتركز وتقتصر اوليا على العسكري والأمني أم ستتجاوز ذلك للسياسي؟ ذ
** حيثيات التواصل وإعادة بناء جسور علاقة من جديد ورهاناتها المرحلية والتكتيكية
- أولا، لعبت تركيا وهي العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، دوراً رئيسياً في الصراع، حيث دعمت المعارضة السورية وأرسلت قوات إلى الشمال، أما روسيا وهي الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، فقد حثت منذ أكثر من سنة وعبر الرئيس فلاديمير بوتين على المصالحة مع أنقرة، وقد قالت مصادر قريبة من العواصم الثلاث (انقرة – دمشق –موسكو) أن “المناقشات مستمرة، ولم يتم تحديد موعد محدد بعد، لا توجد مشكلات في الاجتماع، إنهم يعكفون حالياً على تحديد موعد له”، مضيفاً أنّ “الاجتماع سيُعقد إما في موسكو أو في مكان آخر”، وقالت نفس المصادر إنّ اجتماع كبار الدبلوماسيين سيحول المحادثات نحو القضايا السياسية، وبعيداً عن الأمن، وسيمهد الطريق للقاء الرئيسين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد وكان الرئيس التركي قد قال إنه قد يلتقي بالأسد بعد اجتماع ثلاثي لوزراء الخارجية، وذكرت صحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام بداية الأسبوع الحالي أنه لم يتم تحديد موعد محدد للاجتماع الثلاثي. ولم تعلق موسكو على خطط عقد الاجتماع، ومعلوم أن واشنطن لا تدعم واشنطن تطبيع علاقات الدول مع الأسد، فيما قال مسؤول تركي كبير ثانٍ، لوكالة رويترز، إنّ “أنقرة تسعى للعودة الآمنة للاجئين السوريين والتعاون مع النظام السوري في استهداف الجماعات الإرهابية على الحدود بينهما”.
- ثانيا، الثابت أنّ النقاشات لا تزال مستمرة بشأن احتمال تحويل اللقاء من ثلاثي إلى رباعي، يضم وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وقال مصدر دبلوماسي تركي مطلع على تفاصيل المناقشات التي تُجرى، إن “تركيا تتوقع أن يعقد الاجتماع في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري، بعد جولة جاووش أوغلو الأفريقية وإكمال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية بعدها”، ومعلوم أن وزير الخارجية التركي قد بدأ جولة أفريقية، يوم الأحد الماضي، ويفترض أن تستمر حتى غدا السبت 14 جانفي/يناير وأشار المصدر نفسه إلى أنّ مشاركة وزير الخارجية الإماراتي غير مؤكدة حتى الآن، ولا تزال المشاورات مع روسيا مستمرة بهذه الصدد، ووفقاً للمصدر، يبدو أنّ روسيا غير متحمسة، ولكنها قد توافق نظراً للإمكانات المالية للإمارات في ملف إعادة الإعمار في سورية. ولفت إلى أنّ تركيا قدمت مقترحاً لعقد الاجتماع في أنقرة، ولكن لا توجد موافقة، لذا غالباً ما سيكون الاجتماع في موسكو، وقد يكون باحتمال أقل في الإمارات.
- ثالثا، بحسب المصدر فإنّ روسيا تضغط بشكل كبير جداً عن طريق وزير الدفاع “سيرغي شويغو” على النظام السوري، من أجل التقدم بخطوات التطبيع بشكل أسرع في ظل تباطؤ النظام وتردده، والسؤال الرئيسي ليس المضي في عقد اللقاءات بل في طبيعة العلاقات بين البلدين مستقبلا لان مثل هذهاللقاءات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وسوريا لكنها في الوقت الحالي محصورة في الجانبين الأمني والعسكري وحسابيا لا يمكن تغييب أن الطرف التركي هو المستفيد من محاولات التطبيع هذه أكثر من الطرف السوري وطبعا تأتي محاولات التطبيع بين دمشق وأنقرة بعد قطيعةٍ متواصلة منذ أكثر من عقدٍ من الزمن نتيجة دعم تركيا للمعارضة السورية التي كانت تنوي الإطاحة بنظام بشار الأسد بعد احتجاجات شعبية شهدتها البلاد في مارس (آذار) من العام 2011 ومن ثم تحولت لاحقاً لحرب طاحنة شاركت فيها أطراف دولية وأخرى إقليمية بينها تركيا، كما تتزامن محاولات إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة مع انتخاباتٍ رئاسية وبرلمانية تشهدها تركيا في يونيو (حزيران) المقبل، وتشكل فيها مسألة وجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية والبالغ عددهم أكثر من 3 ملايين، ورقة ضغط على الحزب التركي الحاكم الذي يحاول رئيسه التخلص منها قبل موعد الانتخابات
** سيتم الاقتصار وعلى مدى السنة المقبلة على العسكري والأمني؟
1-أولا، الثابت أن الجانبين السوري والتركي لا يمكنهما السعي لإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما دون وجود تطبيع أمني كامل بين البلدين وطبعا النظام التركي سيحاول عبر محاولات التطبيع إعادة جزء من اللاجئين واستخدام عودتهم كدعايةٍ انتخابية، بل و تبدو الخطوات الأمنية، هي الأقرب للتصورات في الوقت الراهن، حيث لا يمكن السعي خلف علاقاتٍ سياسية أو اقتصادية مباشرة بين الجانبين دون وجود تطبيع أمني بين البلدين، وبالتالي هناك ملفات أمنية ضخمة وعالقة تبدأ من مسألة الانسحاب التركي من بعض المناطق السورية وصولاً إلى تأمين الشريط الحدودي وإخضاع جميع النقاط السيادية للنظام من خلال عودته إليها. ولهذا هناك الكثير من الفراغات الأمنية التي يجب ملؤها وهو ما تدركه دمشق وأنقرة التي تسعى لإفساح المجال أمام خوض عملية سياسية ولذلك سنكون أمام تطبيع أمني وبخطوات أمنية أيضاً، وعمليا لا يمكن لأي لقاء، حتى إن كان على مستوى رئاسة كلا البلدين أن يحقق أو يسرع أي شيء بشكلٍ مباشر، فسوريا أو نظامها معروف تاريخياً بأنه لا يفاوض بسهولة وهذا ما اتبعه خلال السنوات الـ12 الماضية، وفضلاً عن ذلك عندما كان يخوض هذا النظام عملية سلام مع إسرائيل في مدريد، فإن الأمر استغرق الكثير من الوقت ولم يأتِ بأي نتائج على الأرض، ولهذا سيكون اللقاء المحتمل بين إردوغان والأسد استعراضياً إلى حد بعيد، فالجانب التركي من خلاله سيوجه الرسائل للخارج والداخل التركي، بينما لن يستفيد النظام الكثير من هذا اللقاء سوى أنه سيصب في مصلحة حليفه الروسي.
- ثانيا، لا خلاف بطبيعة الحال،النظام التركي هو الذي سيستفيد من أي عملية تطبيع مع دمشق أكثر من النظام السوري، فهو مقبل على انتخابات حاسمة في يونيو/جوان المقبل، وهو بحاجة إلى الكثير من الأوراق كمحاربة قوات سوريا الديمقراطية، بعدما فشل لوحده أن يحقق اجتياحاً برياً في مناطقها، ولذلك سيسعى إلى إرضاء النظام السوري وربما يطلب منه إيجاد شكل من التعاون والتحالف لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية. كما أن النظام التركي يحاول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم لاسيما أن هذا الملف يشكل ضغطاً انتخابياً على حكومة إردوغان الذي سيسعى قدر المستطاع إلى إعادة جزء من اللاجئين في سياق تطبيع العلاقات مع دمشق واستخدام ذلك في دعايته الانتخابية، أما دمشق فتسعى إلى السيطرة على رموز سيادية كالمعابر والمناطق الحدودية التي كانت أو هي تحت سيطرة تركيا حاليا، حيث ستحاول قدر الإمكان تصوير هذه المباحثات أو المفاوضات والوصول إلى نتائج لاحقاً، على أنها جاءت نتيجة ثباته على الأرض، وهناك احتمال أن تعود العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، لكنها لن تؤدي إلى أي نتيجة، فالعنوان الذي حدده الطرفان كان عنواناً أمنياً وعسكرياً من خلال اللقاء الذي جمع وزيري دفاع البلدين في موسكو والمسؤولين الأمنيين، وبالتالي الشكل الأقرب للتصور هو العلاقة الأمنية العسكرية عوضاً عن العلاقات الدبلوماسية السياسية، وهو ما يسعى إليه الجانبان بشكلٍ واضح.
المصدر:ضحيفة الراي العام بتاريخ 13-1-2023