أخبارتقرير عربي

“محمد المسعود الشابي” مفكرا عروبيا وإسلاميا واستراتييجا 

 

المناضلون والسياسيون العرب والمسلمون الذين عرفوا “محمد المسعود الشابي” في ستينات وسبعينات القرن الماضي في بيروت ودمشق وبغداد والجزائر مثّل لهم الرجل نموذج المفكر العربي والإسلامي المجتهد الذي لا يهدأ بحثاً عن الحقيقة وبحثاً عن الصيغ والمعادلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعود بالنفع على القضية التي آمن بها وأعطاها روحه النبيلة محاولاً في كل حين حث الشباب على الدراسة والنضال والالتزام، ساعياً في لحظات الاحتدام إلى التذكير بالعقل وعقلنة الصراعات السياسية وإسباغ روح المنطق عليها، ولقد كان “أبو حازم” ينبه إخوانه ورفاقه إلى أن الخلاف والحوار يجب أن يتجها صوب الابتكار والإبداع وليس صوب العصبية والتعصب. وقد شهد له الجميع بوقوفه وراء محاولات حثيثة وعنيدة لاعتماد منهجية علمية موضوعية في مقاربة المسائل السياسية المطروحة وتجنب إسقاط الذات عليها سواء كانت هذه الذات شخصية أو قبلية أو طائفية، والحقيقة أن محاولاته تلك قد جُوبهت بأساليب تقليدية متخلفة لا تُشرف أصحابها ولا تبرر تلك الشعارات المتطرفة التي كانت تنهمر كالمطر للتعمية على الحقائق وذر الرماد في العيون،
ولقد كان الشابي نزيهاً متجرداً لم يطمع بمنصب أو جاه، ولم يضعف أمام المال الذي أعتبره مجرد وسيلة للاستمرار في العيش والدراسة والانجاز، ولذلك استطاع أن يطرح في المحافل والمؤتمرات والندوات أفكاراً طليعية صافية وأراءً جريئة واضحة نفر منها أصحاب المصالح الذاتية وسائر الذين جعلوا من القضية مطية لمآربهم الشخصية.
كان الشابي في ريعان شبابه كما في كهولته نهراً متدفقاً منتجاً متطلعاً للخير العام مشغولاً بقضايا الوطن والأمة والإنسانية جمعاء، معتبراً انه ابن حضارة عريقة ينبغي البحث في معطياتها وإشكالاتها، والحفر في مكنوناتها ومآلاتها لجلاء صورتها وتجديد دمائها وإحياء غصونها وإضرام شعلتها التي أنارت يوماً العالم ومهدت الطريق أمام النهضة العلمية الكبرى التي اختبرتها وقادتها أوروبا في العصور الحديثة.

لقد كانت فلسطين والقدس وكل قضايا الأمة بوصلته الأولى ولكنه أيضا كان يبحث في القضايا الاستراتيجية بل وبحث عن إرساء نظرية كاملة لذلك وكان يعتقد جازما أن الفكر العربي الإسلامي يجب ان يكون رياديا في بلورة فكرة “دولة الشعب” كبديل عن كارثية فكرة “شعب الدولة” بل هو من بلور فكرة أهمية ان يكون مراد ذلك الفكر هو “اسعاد الناس كل الناس والأرض كل الأرض”،  ولقد شاءت الأقدار أن يشهد الشابي قبل رحيله ثورة شعبه وهي تنطلق وتتقدم وتنتصر وقد عمل من أجلها عشرات السنين بدون انقطاع سواء في المغرب أو المشرق وستذكره بغداد وبيروت ودمشق بل وأحياء باريس وكلها ستتذكر صدق وعوده واستشرافه بان الشعوب العربية ستنتصر على جلاديها وان ارض العرب والمسلمين ستعرف موجات ثورية  كما صدق حسه بانهم سيتآمرون عليها ( يقصد ثورة تونس وبقية الثورات التي تلتها) بعد أن عقد عليها العرب آمالاً كبيرة والثابت اليوم وفي ذكرى رحيله العاشرة أن الموجات القادمة ستكون حاسمة وأنها سترسخ الديمقراطية والعروبة والإيمان في تونس كما في ديار العرب كلها وخاصة في المرغب العربي وهو الذي كتب يوما حول ذلك تحت عنوان “المغرب العربي على مفترق الطرق” مشيرا في صفحاته الأخيرة أنه سيكون مهد ولادة روح عربية قادرة على ان تكون وهجا للحرية في كل بلاد العرب والمسلمين…

 

المصدر: نشرية “الشأن الديني” العدد09 بتاريخ 02 ديسمبر 2022 ص2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى