“عبير” و”حفتر” وسر تلازم المسارات ولماذا يرتبط مُستقبل كُلّ منهما بالآخر (1من 2)

علي اللافي – كاتب ومحلّل سياسي
“حفتر” عسكري ليبي برتبة جنرال متقاعد وأسير حرب سابق ورغم ذلك أراد العودة للمُربّعات السياسية والعسكرية في ليبيا بل وخاض حروب ومواجهات ميدانية واستنجد بعشرات الآلاف من المرتزقة وهو الذي قارب الثمانين سنة، أما “عبير العمدوني” فهي احدى سليلات نظام العسف والاستبداد الذي حكم تونس أكثر من عقدين وهي في منتصف عقدها الرابع – مولودة سنة 1975 – ورغم ذلك فهي تسعى لأعادة ذلك النظام عبر وأد حلم الحرية والديمقراطية والتحرر بكل الوسائل والأشكال رغم ثورة الشعب عليه وخلعهم لرأسه بل وإجباره على الفرار للسعودية سنة 2011، ومما لا شك فيه أن السيرتان شُبه متناقضتان بشكل كُلّي، فما الذي يجمع الاثنين أو بالأحرى من أراد ربطهما ببعض خلال السنوات الماضية أو ربما منذ منتصف العقد الماضي – كما سنُبيّن ذلك في حلقتي دراسة الحال- ولماذا يتلازم مستقبل كل منهما بالآخر، ولماذا ستحترق أوراق رئيسة “الحزب الدستوري الحر” لو أخرج “حفتر” خلال الأيام والأسابيع القادمة من مسرح الأحداث في ليبيا وهو أمر مُنتظر في انتظار الشكل والتفاصيل؟
** حقائق وتساؤُلات مُغيّبة
- أصدر “حفتر” طوال مسيرته الغامضة والطويلة كُتيبا يتيما حول التغيير بالقوة وعاد الى ليبيا بعد أن كان قائما بالحراسة الأمنية لبعض حانات فرجينيا اثر انفصاله على ابرز حركات المعارضة منذ 1993 وليقود سنة 2014 انقلابا أبيضا على تيار فبراير وثورته وليتزعم ما سماه تيار الكرامة سنة 2015 ولكن الخيبات لازمته، أما “عبير العمدوني/موسى” فلم تكتب طوال حياتها نصا واحدا باستثناء تغنّيها ببعض زغراطات تقليدية في مدح رأس النظام أو بعض أتباعه وحاشيته العائلية والاستشارية كما أوكلت لها مهمة التشويش والصياح في اجتماعات الحقوقيين والمحامين وافساد تلك الاجتماعات بداية الالفية واعتمدت في ذلك أسلوب “الولولة” والتي عادت الى اعتمادها في رحاب المجلس النيابي في ديسمبر 2019 بعد أن مكّنتها الديمقراطية التونسية من أن تكون نائبة شعب اثر انتخابات 06 أكتوبر ولتجمع لنفسها كل المناصب القيادية في الحزب (رئيسة الحزب – رئيسة كتلته – الناطقة الرسمية باسمه – ممثلته في كل المنابر والجلسات واللقاءات…)
- بداية الألفية عندما دخلت “عبير” السياسة بعد اختيارها لأداء مُهمّة عرقلة عمل الحقوقيين ولتكافئ في الأخير بمنصب أمينة قارّة في مركزية الحزب الحاكم يومها ولتُسند لها سنة 2010 صفة مستشارة لرئيس الوزراء التونسي آنذاك “محمد الغنّوشي”، ويومها كان “حفتر” يرتاد بعض حانات فرجينيا يُجهز لنفسه نفسيا ولوجستيا -أو بالأحرى يحلم-ان يكون رجل المرحلة المقبلة في ليبيا بناء على علاقاته الممتدة بالروس والأمريكيين والفرنسيين وبعض دول خليجية بعينها وربما بأطراف ومحافل دولية أخرى، لم يخطر ببال أحد وان مستقبل الاثنين سيترابط لاحقا بعد ثورة الشعبين التونسي والليبي بداية 2011 …
- يعرف بعض خبراء الشؤون المغاربية أن بعض حكام المنطقة وصلوا للحكم بناء على أنّهم أدوات لخدمة استراتيجيا خفيّة وذات أهداف سياسية واستراتيجية الأبعاد والمرامي وأنّ بعض مربعات تلك الاستراتيجيات تصب في مربعات ما وراء البحار وتحديدا لقوى ومحافل دولية بعينها، إضافة إلى أنّ العلاقة بين “القذافي” والرئيس المخلوع والراحل “زين العابدين بن علي” لم تكن صدفة وأنّ التناغم لم يكن اعتباطيا، وكل ذلك يعني أنّ هناك خيط ناظم بين اظهار وابراز “عبير” قبل وبعد الثورة ومربعات ابراز ودعم العسكري المتقاعد والأسير السابق “خليفة حفتر” في المنطقة، ومما لا شك فيه ان الفاعل الدولي والصانع الرئيسي للسياسات وراسم الاستراتيجيات يحاول ان يوجد مستقبلا حكام ثلاث متناغمين في تونس ومصر وليبيا كما أوجدت التطورات وربما راسمي السياسات الاستراتيجية الثلاثي “القذافي”/”مبارك”/”بن علي” ولعل تصريح القذافي سنة 1994 بقوله الاستشرافي “لو سقط نظامي تونس ومصر الحاليين لسقطنا” دال ومعبر وله معانيه المختلفة، كما أن القذافي أيضا ردّد مساء 14-01-2011 في تعليق منه على فرار المخلوع “لقد فعلها الجبان، ووضعنا في الزنقة”، وهو ما يعني أيضا انه ليس اعتباطيا ان تُحاول أنظمة عربية تنفيذ سياسة سمّيناها في أكثر من مقال وبرنامج تلفزي بنظرية “سقوط الجدار” – أي بسط أنظمة عسكرية في كل المنطقة الشمال افريقية- وقد أكد مقربون من نظام “أبناء زايد” أن خطّتهم منذ أكثر من سنة تقوم على هدف “أن لا تحتفل الثورتان التونسية والليبية بالذكرى العاشرة لكل منهما” رغم ان مصادر في أكثر من عاصمة عربية وغربية تؤكد أنه وقع التخلّي على ورقة “عبير” مقابل تعويضها ببديل ثان بعد أن قامت بدورها الوظيفي والمرحلي كما وقع في نفس الوقت بالتخلي على مبدأ دافعت عنه دولة الامارات لسنوات وهو “تلازم المستقبل السياسي والعسكري لخلبفة حفتر”، وكُلّ ما سبق يُؤكد أن هناك راسم ما لبعض سياسات إقليمية يربط منذ سنوات وحتى ما قبل 2011 تحديدا، قد وضع مستقبل الشخصيتين وربطهما ببعض رغم أنهما يختلفان سنّا واختصاصا وفي أشياء وصفات ومربعات عديدة ورغم انهما أيضا لم يلتقيا أصلا وفقا لما هو ظاهر ومعلوم وتلك من سمات الوظيفيين أي أنهم “لا يعلمون كثير مما يُرسم لمستقبلهم وفعلهم الراهن ولماذا قاموا ببعض أشياء وخطوات في ماضيهم”، ومن الواضح أن ذلك يفسر السلوك السياسي لكل من العسكري “حفتر” وللنوفمبرية “عبير العمدوني موسى” ….
** سمات مشتركة وطبيعة التلازم (2011-2019)
- تُشابه “عبير” العسكري “حفتر” في علاقة كل منهما بالحاكم السابق فعلاقة “عبير” بالمخلوع يسودها الغموض والأسرار وبعض شائعات غير مؤكدة ولا ثابتة من حيث نفيها وطبيعتها وهو أمر ينسحب على علاقة “حفتر” بـــــــــــ”القذافي” فهو يحبه ولكنه تنكّر له فهو لم يضمه لمجلس قيادة الثورة سنة 1970 رغم انه ساهم في انقلاب/ثورة القذافي على الملك ادريس، والقذافي تنكّر لـــــــ”حفتر” بعد حرب تشاد الخاسرة والتي وقع “حفتر” فيها أسيرا وسمّاه “حُفيتر” كما قال يومها – أي القذافي” “انه ليس لنا اسرى”، وانقلب حفتر على القذافي فكريا وسياسيا فشارك وخطط لانقلاب “ورفلة” بداية التسعينات بعد أن انضم للمعارضة منذ 1988، وبالمقابل انقلبت “عبير” على حزبها ومدحت الثورة في بيان لها في 22 فيفري 2011 وقالت يومها أنها استقالت من التجمع، ولكنّها عادت بعد سنتين للتغنّي قبل أن تدّعي تبني “البورقيبية” بداية من سنة 2017 ومقابل ذلك انقلب “حفتر” على تيّار وثورة “فبراير” وأسّس “الكرامة” وتحالف مع رجال القذافي وضمهم لقواته التي سيطرت على المنطقة الشرقية ثم هاجمت طرابلس صبيحة 04-04-2019 لمنع عقد الملتقى الليبي الجامع بإشراف أممي، وهو ما يعني ان كل من “عبير” و”حفتر” متقلبان على حلفائهم ومربعاتهم السياسية وانهما انقلابيان منهجا وسلوكا وبغض عن المبررات الفكرية والسياسية التي يقدمانها للأنصار وللرأي العام في البلدين، فالثابت أنهما متماهيان وان طبيعتهما متلازمتان وخاصة بين 2011 و2019…
- اعتمدت “عبير” نفس لغة حفتر رغم اختلاف الخصوصيات ولاكا الاثنين مقولات “الإسلام السياسي” و”الاخوان” كما تمعّش كُل منهما من توظيف الظاهرة الإرهابية وتباكيا على ماضي البلدين ومن ترديد سرديات بعض وسائل الاعلام الخليجي المعادي للديمقراطية ولثورات الشعوب، كما اعتمد الاثنان سياسة ارباك بناء المسارات التنموية وعملية البناء عبر لوك سرديات ماضوية وأقرب للمشرق منها للمغرب العربي كما بحثا عن خلق المناكفات والتجاذبات والتباينات بين أبناء الشعب الواحد في كلا البلدين…
- اصطفّ كل من “حفتر” و”عبير” للمحور “المصري/السعودي/الاماراتي” في كل القضايا والمواقف وخاصة اثر الازمة الخليجية الثانية في جوان/يونيو 2017 وردّدا مع أنصارهما وأتباعهما مقولات العداء لقطر وتركيا وترديد مقولات أن البلدين ساهما في وضع تونس وليبيا الحالي وان ظهر “حفتر” في لقاءات مع الملك “سلمان” و”بن زايد” و”السيسي”، فان “عبير” وحزبها المحسوب على المنظومة القديمة في ذهنية كل التونسيين قد ناصرت السياسات المصرية والسعودية والاماراتية وقامت بزيارات للقاهرة وابوظبي، وظهرت على كل قنواتهم التلفزية بشكل شبه دائم وصورت تلك القنوات كل أنشطتها حتى عندما تجلس مع أحد أعضاء حزبها في حديقة “الباساج”، وهي كانت حاضرة في كل الاحتفالات الخاصة بالأعياد الوطنية التي تُحييها سفارات تلك البلدان…
- ناصرت عبير الجنرال الليبي “حفتر” في تونس بآليات عديدة وصولا للائحة البرلمان التونسي مع حلفاء آخرين أي عندما هنأ رئيس البرلمان التونسي رئيس حكومة الوفاق بانتصارات “بركان الغضب” على قوات “حفتر” والمرتزقة، وناكفت “عبير” أيضا كل خصوم “حفتر” السياسيين في تونس وفي كل البلدان العربية وسبّت وشتمت خصومه وقامت بفعاليات سياسية وإعلامية من أجل مُناصرته إعلاميا وسياسيا في تونس وروّجت لبعض سرديات أراد ترويجها في تصريحاتها ومواقفها، ومقابل ذلك ناصرت صفحات “الكرامة” وصفحات أبنائه ومستشاريه في الشرق الليبي لصورة “عبير” ووصفتها بمدحيات لم تقلها هي عن نفسها في تونس، والحقيقة ان عبير قد رتّبت خطواتها السياسية على أنغام التطورات السياسية في ليبيا بناء على وظيفيتها لأطراف إقليمية ودولية فعمدت مثلا لترذيل مجلس النواب ودوره منذ ديسمبر 2019 عندما كان “حفتر” يرفض تحالف الوفاق مع الاتراك ، وبالرجوع للوقائع والأحداث ومُتابعتها كرونولوجيا نلاحظ أنّها تعمد للتوتير كلما كان “حفتر” يُريد التصعيد ويسعى للحسم العسكري، وتعمد للتبريد والهدوء النسبي لولولاتها المصطنعة كلما التزم “حفتر” بخطوة سياسية بضغط من القوى الدولية وهذا يصحُّ عليها منذ أكتوبر 2019 الى اليوم ويكفي مثلا التدليل ان رفعها لأيّ اعتصام من اعتصاماتها الكثيرة والعشوائية مُرتبط بتهدئة وخطوة من “حفتر” في العلاقة بالحوار ات والمؤتمرات الدولية حول الملف الليبي….
يتبع الجزء الثاني، “تلازم الفعل السياسي لــــــــــــــــ”عبير” و”حفتر” سنة 2020 وسر ترابط فعلهما ومستقبلهما السياسي”
صحيفة الراي العام التونسية : بتاريخ 3/12/2020