حوار مع الدكتور توفيق المديني حول سوريا والثورة التونسية والمشهد السياسي في تونس وحول كتابه الجديد

السياسي____
- السؤال: أستاذ توفيق تعرفك النخب السياسية التونسية كفاعل سياسي ومفكر ومثقف عضوي، لكن كيف تقدم نفسك لشباب الثورة التونسية وللتونسيين؟
- الجواب: منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط المنظومة الاشتراكية السوفياتية، وبعد حرب الخليج الثانية، لم أعد أنشط كعنصر قيادي في تنظيمي السابق القومي الديمقراطي: حركة التحرير الشعبية العربية، الذي كان زعيمه آنذاك الأستاذ الراحل ناجي علوش ،والذي حلّض عمليًا بعد عام 1991،ومنذ ذاك الوقت و أنا أعمل في المجال الفكري والثقافي كباحث في العديد من مراكز الأبحاث العربية: المركز العربي للدراسات الاستراتيجية في دمشق، ومركز شؤون الأوسط في بيروت، ومركز دراسات الوحدة العربية في بيروت الخ، إضافة للكتابة في العديد من الصحف العربية التي تصدر في بيروت ودبي و لندن و الدوحة .
وبعد سقوط النظام السابق في 2011، أصبحت أزور تونس مرتين في السنة، ووضعت حدّا لمنفاي القسري الذي دام 34سنةمتواصلة لم أزر فيها تونس ، و أصبحت أنشط سياسيًا في مجال المجتمع المدني كناشط مستقل .ومن الناحية التاريخية ، لم أنتم إلى أي تنظيم تونسي ، بل إنني انتميت منذ عام 1976 إلى الجناح الراديكالي من حركة فتح الذي كان يقوده الراحل ناجي علوش وقيادات فلسطينية أخرى ، ثم فيما بعد أسسنا تنظيم «حركة التحرير الشعبية العربية »في نوفمبر 1979 ببغداد، والذي كان يطرح آنذاك إنجاز الثورة القومية الديمقراطية في كل الوطن العربي، ويدعو إلى تأسيس حزب عربي يضم كل المناضلين المؤمنين بإنجاز المشروع القومي الديمقراطي ، الذي يقوم على ثلاث مرتكزات أساسية: تحرير كل الأراضي العربية المحتلة ، وفي القلب منها فلسطين ، وإنجاز الثورة الديمقراطية في كل البلدان العربية، وتحقيق الوحدة العربية للأمة ،وبصرف النظر عن التراتبية التي تحتلها كل من هذه الأهداف الاستراتيجية حسب ظروف كل بلد عربي…
- السؤال: كيف تقيم مسار الثورة التونسية بعد حوالي ثمان سنوات خاصة في ظل منجز الحرية وفي ظل التجاذب الايديولوجي والسياسي وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؟
- الجواب: بعيدًا عما يبدو أنه احتفالُ بالفشل لهذه الثورة، يتعلق الأمر بمناقشة مسألة جادّة وحقيقية، وهي بقاء الدولة التونسية، وليس مجرد تراجع أداء وظائفها الأساسية، لا سيما بعد تداعيات “الربيع العربي”، وماأدّى إلى انهيار الأنظمة في عدد من البلدان العربية، مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا، واليمن، وبالتالي إلى وجود قصور مفزع (معروف على أي حال) في أداء الدول العربية، ومنها الدولة التونسية، التي اقتربت من الدائرة البرتقالية للدول الفاشلة، بسبب مما تعانيه من أعراض عدم استقرار، وعدم كفاءة حادّة لقيادات الدولة، يدفعان في اتجاه احتمالات التقدّم باتجاه سيناريوهات سيئة….
لا شك أنّ العديد من المراقبين ، يشكل لهم استخدام تعبير “الدولة الفاشلة” لتونس، بمنزلة الصدمة، نظرًا لأنّها البلد العربي الوحيد الذي شهد انتقالا ديمقراطيًا ناجحًا نسبيًا. غير أنّ هذا لا يشفع من توجيه سهام النقد الموضوعي لطبيعة الدولة التونسية في وضعها الراهن، حين نلمس جوانب فشل قاسية في أدائها، وصلت في النهاية إلى أزمات اقتصادية واجتماعية حادّة أطلقت موجات متتالية من الاحتجاجات الاجتماعية والهجرة غير الشرعية للشباب العاطل عن العمل، وحاصرت التونسيين، فانهارت القدرة الشرائية لديهم، وتعرض الكثيرون منهم للعطش في مختلف المحافظات ،وفُقِدت الأدوية، وساد مناخ من انعدام الأمن للتونسيين ،لاسيما في الأرياف بعد انتشار عصابات السرقة والنهب، وتزايد المخاطر الأمنية الناجمة عن ضعف مؤسسات الدولة التي منحت فرصًا كبيرة لانتشار التنظيمات الإرهابية في البلاد ،واستيطان الإرهاب في خمس محافظات فقيرة ومهمشة واقعة على الحدود مع كل من الجزائر وليبيا، وهي القصرين وقفصة وجندوبة و سيدي بوزيد ومدنين منذ سنة 2011، إذ أن المجموعات الارهابية قد استفادت من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في هذه المحافظات، كي تبني حاضنة شعبية تمكنها لا فقط من العيش بل كذلك من مراقبة القوات المسلحة .
في تونس التي تعيش وضعًا استثنائيًا، يمكن أن يتِـم الإقرار فيها بوجود فشل ذريع في أداء الدولة التي فقدت هيبتها كثيرًا، ولكنها تتمتّـع بوجود مجتمع قوي قادر أن يدير شؤونه أحيانًا، حتى في ظل انهيار الدولة، وفشل أغلب الحكومات المنبثقة عن الانتخابات الديمقراطية التي جرت في سنتي 2011، و2014، في إصلاح الدولة التونسية، وبناءً دولة المواطنة، لأنها جميعها كانت خاضعة لاستراتيجية الدول الغربية (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي )، ولشروط وإملاءات المؤسسات الدولية المانحة(صندوق النقد والبنك الدوليين)، ولم تكن نابعة من استراتيجية وطنية في إعادة بناء الدولة. ورغم وجود نظام استبداديي على قمة السلطة في عهد الرئيس السابق بن علي، فإنّه لم يكن من الممكن وصف تونس بالدولة الفاشلة، على نقيض ما تعيشه البلاد منذ سنة 2011 ولغاية الآن،في إطار ما يمكن وصفه بِــــ”سراب الدولة” وليس الدولة الحقيقية. فقد يتساءل المرء، هل أنّ تونس منذ 2011 ولغاية اليوم، تقع في منطقة الدول الفاشلة، أو المتجهة إلى الفشل؟
- السؤال: كيف تقيم مسار التيار القومي العربي بمختلف فصائله بعد ثورة الحرية والكرامة ولماذا بقي في موقع تجاذب بين التيارين اليساري والإسلامي؟
الجواب في عالم عربي يعاني التأخر التاريخي، ويعيش في ظل طلاق بين عالم السلطات الحاكمة وعالم المجتمعات العربية، من الصعب جدا على أي باحث أو كاتب أن يزحزح المقولات والمفاهيم التي ترسخت عبر عقود من الزمن، فضلا عن صعوبة تقبل نقدها وإعادة إنتاج مدلولاتها في نسق ديموقراطي جديد ورؤية ديموقراطية جديدة.
الصعوبة تكمن في غياب النقد/ ولا سيما النقد الراديكالي للمفاهيم والمقولات التي دأب الفكر السياسي العربي على اعتبارها من المسلمات إلى درجة أنها باتت من الصنم الذي يعبد. وآن الأوان لمراجعة كل أساسيات الفكر القومي العربي، ما يتعلق بالمفاهيم والمقولات الإيديولوجية:الايديولوجية: الأمة العربية، الوحدة العربية، الدولة القومية العربية، إذ أن حصاد أكثر من خمسين عاماً كاف لإصدار أحكام قطعية.
نقطة الانطلاق الرئيسة في هذا البحث النقدي هي الإنسان المتعين، الكائن العاقل والأخلاقي، الاجتماعي والسياسي، الذي ماهيته هي الحرية. إذاً نقطة الانطلاق الرئيسة هي الحرية بخلاف جميع إيديولوجيات التحرر القومي والتحرر الاجتماعي وما إليها. الحرية في منظور البحث أهم من الأمة، وأهم من الوحدة العربية، وأهم من الدولة القومية، و أهم من الاشتراكية، وغيرها، لأنه ليس لهذه جميعاً ولغيرها أيضاً أي قيمة من دون الحرية ومن دون الكرامة الإنسانية.
لماذا الحرية أهم من الدولة القومية، لأن الحركات القومية العربية التي عملت أو ادعت أنها بصدد بناء الدولة القومية، تراجعت في الميادين جميعها، ولاسيما في المواجهة مع الإمبريالية، والمشروع الصهيوني، وعلى الصعيد الدعوة والعمل للتغيير السياسي والاجتماعي لبناء الدولة الوطنية الديموقراطية، وعلى صعيد العمل الرسمي والسعي من أجل الوحدة العربية، حيث واكب ذلك انفصال وحدة 1958، وإخفاق المشاريع الوحدوية الأخرى، وحدوث انشقاقات وتصدعات في الحركات القومية.
فالدولة الوطنية الديموقراطية هي الشكل الجنيني للدولة القومية، وهي تجسيد للعقل والحرية، بل هي «ملكوت الحرية الموضوعية»، لأنها تستند إلى مفهوم سيادة الشعب، وسيادة القانون. لكن هل هذا هو واقع الحال في العالم العربي؟
الوقائع تقول إن الحركات القومية التي وصلت إلى السلطة في البلدان العربية(سوريا، العراق)، تراجعت في المواجهة مع الكيان الصهيوني ، بتبني شعارات التسوية، تحت أسماء مختلفة، وتراجعت عن شعار التحرير الذي كان شعارها بعد أن تغلبت دعوات التسوية و”التعقل” و”الواقعية” خلال العقود الأخيرة، وقادت المشروع القومي إلى الهزيمة تلو الهزيمة، بعد أن تغلبت الاتجاهات القطرية والطبقية الضيقة، وتحولها من تبني الأهداف القومية الأساسية إلى تبني أهداف قطرية محدودة، واحتدمت الصراعات داخل الحركات القومية احتداماً فرض معها معارك ضارية، ولا سيما بين سوريا والعراق، أضعف الحركة القومية والديموقراطية كلها، وخدمت أعدائها المختلفين. ولا غرابة في مثل هذه الظروف، أن هددت الحريات والكرامات في العالم العربي، واستشرى القمع، واتسع نطاق الاستغلال، وفقد أبناء الشعوب العربية حقوق المواطنة.
إن نقد الحركات القومية العربية ليس مجرد نقد أفكار وآراء يتفق المرء مع بعضها ويختلف مع بعضها الآخر، بل صار يفترض أن يكون نقدا للتجربة السياسية والأيديولوجية لهذه الحركات القومية العربية التي حكمت في كل من مصر وسوريا و العراق ، التي أخفقت في حل مجموعة من المعضلات التي تواجهها حركة التحرر العربية، وهي:
ـ الإخفاق في إقامة علاقة صحيحة مع الشعب، وانتهاج سياسات غير ديموقراطية بمجملها، حيث طغت مظاهر التسلط والاستبداد والطغيان واحتقار الشعب.
ـ ازدراء كل ما هو عام ومشترك بين جميع مواطني الدولة المعنية، حيث أنتجت الحركات القومية العربية نوعاً من ثقافة جماهيرية هي ثقافة الاستبداد، وثقافة الخوف.
ـ لقد حلّت الثورة محل الدولة، وحلّت إرادة القيادة الثورية الخاصة، ثم إرادة القائد الفرد، «القائد الملهم» محل الإرادة العامة.
ـ وعجزت عن انتهاج سياسة تنموية سليمة، تقود إلى تنمية الموارد، وبناء زراعة وصناعة تحققان المزيد من الاكتفاء، ووقف نزف المواد الخام، واستيراد السلع المصنعة والمواد الغذائية. لقد أخرجت المجتمع الأساسية من عالم السياسة ومن عالم الثقافة وتعطلت عملية الإنتاج الاجتماعي تحت عناوين: التأميم الاشتراكي ومجابهة الامبريالية والصهيونية والرجعية. ولهذا المسار مغزى آخر هو تذرير المجتمع وتفكيك عرى التضامن والتكافل بين الأفراد والجماعات والفئات الاجتماعية. وقاد كل ذلك إلى انحلال الروابط الوطنية، التي كانت آخذة بالتشكل في العهد الليبرالي القصير، بعيد الاستقلال، وتعمق الظاهرة الجماهيرية، ونموها طرداً مع تغول السلطة وتوحشها.
إن النزعة الوثنية الإيديولوجية ونزعة التقوية تلبستا الأحزاب الشمولية، على اختلاف مرجعياتها الأيديولوجية: القومية والماركسية، والإسلامية، وصارت من أبرز خصائصها. فالنزعة الوثنية الإيديولوجية تكمن في عقيدة القوميين والإسلاميين والاشتراكيين أو في اقتناعهم الذاتي، أنهم مناضلون في سبيل «الأمة العربية» وفي سبيل «القومية العربية» و«الوحدة العربية» ،أو في سبيل «الأمة الإسلامية» و«الدولة الإسلامية»، أو في سبيل دكتاتورية البروليتاريا وإلغاء استغلال الإنسان للإنسان وأنهم قد نذروا أنفسهم لهذه القضية، وإن هذا النضال يمنحهم حقاً مطلقاً في تحديد مبادئ الحق والأخلاق وفق اقتناعهم الذاتي، لتغدو هذه المبادئ مبادئ قومية أو ثوابت قومية خاصة وحصرية لا تمت بصلة إلى المبادئ الاجتماعية والإنسانية شأنها في ذلك شأن المبادئ والثوابت «الإسلامية» لدى الجماعات الإسلامية والمبادئ الاشتراكية لدى الأحزاب الشيوعية».
على أن نظرة الاتجاه القومي إلى غير القوميين لا تختلف عن نظرتهم إليه. فالقوميون كانوا وربما لا يزالون يرون أن كل من ليس منهم ليس من الأمة التي يحتكرون حق تمثيلها والتحدث باسمها كما يحتكر الإسلاميون مثلاً حق تمثيل الإسلام والتحدث باسمه.وبذلك تحولت الاتجاهات الأيديولوجية والأحزاب السياسية إلى مذاهب مغلقة أسهم انغلاقها في إضعاف قوى الأمة وتفتيتها، وحال دون وعي حقيقة أن كل حزب أو تيار هو جزء من الكل الاجتماعي، جزء من الأمة، محكوم به أو بها أي بالأمة حكم الجزء بالكل. وإنه ليس لأي حزب أو اتجاه أو تيار حق تمثيل الشعب كله أو الأمة كلها. لأنه لا يمكن أن يكون كذلك في الواقع، وإلا كنا خارج المنطق والمعقولية.
فالرؤية التي تنصب نفسها كلاً أو تحل نفسها محل الكل هي رؤية استبدادية لا ينجم عنها في المحصلة سوى تدمير الكل وتدمير نفسها أيضاً. هذه الرؤية الحصرية، الواحدية السائدة في صفوف الحركة السياسية العربية على اختلاف مشاربها ومناهجها وبرامجها(القومية، الإسلامية، الماركسية)، حالت دون تحقيق توافق أولي ومبدئي على القضايا الأساسية للأمة. وحالت بالتالي دون تحقيق إجماع وطن/ قومي على أي أمر من الأمور، وذلك لغياب مرجعية وطنية/ قومية تنجدل التعارضات الاجتماعية على محورها. وتنضبط المرجعيات الإيديولوجية على إيقاعها. التيارات السياسية الأساسية في العالم العربي اليوم تتبنى رؤية حصرية وأيديولوجيا حصرية، تطرد الآخر من عالمها ولا تنظر إلى الاختلاف إلا على أنه مروق وكفر وإضعاف لوحدة الجماعة في أحسن الفروض.
فالأمة العربية التي حولها الفكر القومي إلى صنم يعبد، ليس لها من وجود عياني ، لأن وجودها العياني يفترض أن يتجسد ماديا في إطار دولة قومية مركزية، هي الدولة ـ الأمة بالمعنى البرجوازي الحديث، وهذا ما عجزت عن تحقيقه الحركات القومية العربية التي وصلت إلى السلطة في كل من مصر، و سوريا ، و العراق. بينما العرب يعيشون منذ أكثر من ألف سنة، أي من عصر المماليك إلى العصر العثماني، رعايا، ولاسيما في ظل الامبراطورية العثمانية التي اتسمت بطابع استبدادي، وإقطاعي شرقي. وعرب اليوم الذين يعيشون في ظل الدول التي قامت على أساس خريطة التقسيم الكولونيالي والولايات الموروثة من العهد العثماني، تختلف أشكال وجودهم عن أولئك العرب في الماضي. مع التأكيد أن هناك فرقاً شاسعاًبين مفهوم الماضي الذي هو عبارة عن تعاقب زمني، ومفهوم التاريخ بوصفه فعلاً بشرياً.
لقد أكدت عملية السقوط المدوي للحركات القومية، على ضرورة إعادة التفكير في المسألة القومية بوجه عام، وفي مفهوم الأمة العربية بوجه خاص، بدلالة الدولة الأمة ، وعلى ضرورة أيضاًالانطلاق من الدول الوطنية الحديثة.
إن الدفاع عن المشروع القومي الديموقراطي بوصفه قضية الوجود العربي ونمائه، وقضية الصراع مع الإمبريالية، في عصر يناهض الإمبريالية، والصهيونية، والأنظمة الشمولية، يقتضي منا أن نميز بأنه مشروع الفئات والطبقات الكادحة والمستغلة، لا مشروع السلطات الحاكمة والفئات الكمبرادورية.
فالمشروع القومي العربي الديموقراطي، هو حركة جماع الأمة في نزوعها إلى التحرر والديموقراطية. وهو التاريخ المعوق بالضغوط الاستعمارية والامبريالية ولاسيما الأميركية منها، وبالاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي. وهذا ما يجعل منه بؤرة أساسية من بؤر الصراع العالمي ويجعل مستقبل النظام العالمي ونسق العلاقات الدولية مرتبطين بوتائر نموه واتجاهات تطوره، بقدر ارتباطه بهما.
المشروع القومي الديموقراطي هو الحركة التي يتعين بها موقع الأمة العربية في التاريخ وفي العالم، والتي يعاد فيها إنتاج الوجود الاجتماعي ـ السياسي للأمة وتتحدد هويتها القومية بما هي هوية النمو والتغير، هوية التعدد والاختلاف والتعارض.والحركة كما هو معلوم حركة مد وجزر، تقدم وتراجع، والتاريخ ليس تقدماً أو تراجعاً على خط مستقيم، ففيه انتصارات وهزائم وانكسارات وانقطاعات وقفزات أو ظفرات. وما نحن فيه اليوم ليس نهاية التاريخ لا على الصعيد الوطني/ القومي ولا على الصعيد العالمي. المشروع القومي العربي لا يختزل إلى اتجاه واحد من الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية والسياسية المختلفة التي تتجابه وتتقاطع في المجال الثقافي للأمة ثم في المجال السياسي. فهو لا ينحل في الأحزاب التي تتبنى إيديولوجية قومية أو مذهباً قومياً. والمؤسف أن الوعي السائد عندنا يساوي بين المشروع القومي والأحزاب القومية، لاسيما تلك التي وصلت إلى سدة الحكم في كل من سوريا و العراق.
لذلك ينظر غير القوميين إلى الهزيمة التي منيت بها الأمة على أنها هزيمة هذا الاتجاه القومي فقط وليست هزيمة للأمة كلها. هؤلاء الذين يتعارض بل يتناقض وعيهم الذاتي مع واقعهم الموضوعي، سواء أكانوا شيوعيين أم إسلاميين يصنعون أنفسهم، ذاتياً بالطبع، خارج نطاق المشروع القومي والحركة القومية ويعارضون مفهوم الأمة العربية بالأمة الإسلامية أو بالأممية البروليتارية. لقد آن لنا أن نعي أن المشروع القومي الديموقراطي يضم جميع الاتجاهات والتيارات والقوى والأحزاب السياسية على اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية (القومية، والإسلامية، والماركسية، والليبرالية) وانتماءاتها الاجتماعية والفكرية..
- السؤال: كيف تقيم موقف التيارات السياسية من تطورات الاحداث في سوريا خاصة في ظل عدم مبدئية الاطراف السياسية تجاه ما جد ويجد في سوريا؟
- الجواب: تعود الأزمة الدبلوماسية بين تونس وسورية إلى مطلع عام 2012 مع إغلاق السفارة التونسية في دمشق في فترة الرئيس التونسي السابق و المؤقت المنصف المرزوقي ، الذي كان المتسبب الرئيس في قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين العربيين، حيث كثرت سقطاته خلال فترة رئاسته للدولة التونسية، وتصاعدت الانتقادات التونسية له بسبب سياسته الخارجية غير المتزنة، والتي تسببت في أضرار كبيرة للدولة التونسية، ولا سيما حين أمر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية، واستضاف المؤتمر الأول لما يسمى «أصدقاء سورية»، وهو ما أثار غضب المعارضة التونسية، التي رأت أن مثل هذا التصرف يستجيب للسياسات القطرية، وإملاءاتها على السياسة التونسية.
فقد تسببت مواقف المرزوقي الموالية لدولة قطر، ودعوته إلى «محاسبة كل من يتجرأ» على قطر وأميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في انفجار موجة من الغضب في الشارع التونسي، وفي المجلس الوطني التأسيسي السابق، حيث بدا للتونسيين كما لو أن رئيسهم منتصر «لهيبة قطر» أكثر من انتصاره لهيبة تونس وسيادتها التي تقضمها قطر شيئاً فشيئاً. الشارع التونسي لم يقرأ في وعيد المرزوقي «بمحاسبة كل من يتطاول على قطر» سوى رسالة ولاء للدوحة بالدرجة الأولى، ورسالة ولاء لحركة «النهضة» التي كانت تمثل حزب قطر في تونس بالدرجة الثانية سعياً منه لضمان تزكيتها له في الانتخابات الرئاسية في 2014.
وكانت قطر تنطلق من الرغبة في اكتساب المزيد من الشعبية لتبقي رياح ما بات يعرف بـ«الربيع العربي» بعيدة عن الدوحة، حتى لو أدّى الأمر بذلك إلى تمويل وتسليح التنظيمات المتشددة المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وتقديم كل الدعم المالي والإعلامي والسياسي لجماعة «الإخوان المسلمين» في كل مكان، من مصر إلى تونس، وليبيا، بهدف البقاء في السلطة، رغم أن الدعم القطري لـ«الإخوان المسلمين»، ولتنظيم «القاعدة» في سورية، يستهدف تدمير الدولة السورية، وتمزيق وحدة المجتمع السوري.
لقد أحدث القرار بقطع العلاقات مع سورية من جانب المرزوقي هزة في صميم الدبلوماسية التونسية وخلف موجة من الانتقادات من الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني التونسي. وينظر التونسيون في أكثريتهم لأداء المرزوقي في ما يخص السياسة الخارجية لتونس، على أنه كان أداء كارثياً بكلّ معنى الكلمة، اعتماداً على منظارين اثنين هما: ثوابت الدبلوماسية التونسية، ونتائج القرارات المتعلّقة بها.
- السؤال: في رأيك لماذا لم تستطع حكومات ما بهد انتخابات 2014 إعادة العلاقات السورية التونسية الى ما كانت عليه قبل 2012؟
- الجواب: وكان الرئيس الحالي للجمهورية التونسية السيد الباجي قائد السبسي، قد طرح في حملته الانتخابية في خريف سنة 2014مراجعة الأداء الدبلوماسي للخارجية التونسية، وكان واضحاً أن يكون تدارك هذا الأداء من أولويات الرئيس الجديد السبسي باتخاذ قرار إعادة العلاقات السورية – التونسية، والقيام بتصحيح تاريخيّ فيه عودة إلى التقاليد التونسية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية.
ومن الجدير ذكره في هذا الصدد، أنّ تونس لم تقاطع في السابق دبلوماسياً أيّ بلد لاعتبارات داخلية تخص ذلك البلد، فمقاطعة الكيان الصهيوني تعد مسألة طبيعية باعتباره كياناً غاصباً استيطانياً لفلسطين، ومقاطعة جنوب إفريقيا لما كان النظام فيها عنصرياً كانت قراراً إفريقياً بل دولياً، ومقاطعة مصر كانت قراراً من الجامعة العربية.وتشكل عودة العلاقات تدريجياً مع سورية، خطوة مهمة تعلن فيها تونس ابتعادها عن سياسة الأحلاف وعدم ارتهان مواقفها إلى أي طرف من الأطراف الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من تعاقب الحكومات في تونس، ومن انتخاب الرئيس الباجي قائد السبسي في نهاية عام 2014، إذ وعد في حملته الانتخابية بإعادة العلاقات الديبلوماسية بين تونس وسورية، فإنّ الموقف الرسمي التونسي إزاء الأزمة في سورية بقي على حاله، خاضعًا لأملاءات الأطراف الإقليمية و الدولية المعادية للدولة الوطنية السورية،علمًا أنّه وبعد مضي عامين، قررت الحكومة التونسية برئاسة مهدي جمعة فتح مكتب في دمشق لإدارة شؤون رعاياها الموجودين في سوريا.وفي تموز/يوليو 2015، استأنفت تونس علاقاتها القنصلية مع دمشق ،على خلفية تعيين قنصل عام لتونس في العاصمة السورية،فاعتبرت أحزاب المعارضة ومكونات المجتمع المدني التونسي تلك الخطوة بأنها إيجابية نحو إعادة العلاقات الدافئة مع سورية.
وفيما كان الشعب التونسي ينتظر من الرئيس الجديد الباجي قائد السبسي الذي تولى مهامه كرئيس منتخب للجمهورية التونسية في شهر كانون الثاني /يناير 2015، لكي يعلن عن عودة العلاقات الديبلوماسية بين تونس وسورية، انسجامًا مع تعهداته في الحملة الانتخابية، أعلن وزير الخارجية التونسية السيد الطيب البكوش في حكومة السيد الحبيب الصيد التي تشكلت في مارس 2015، في خطوة عدّها المحللون المتابعون للشؤون التونسية، بداية إيجابية باتجاه عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسورية، في يوم 2 نيسان/أبريل 2015، عن عزمه افتتاح قنصلية في سورية، كما رحب بعودة السفير السوري إلى تونس، وبهذا الموقف تكون تونس قد طوت صفحة عكرّت صفو السياسة الخارجية لها طوال الفترة الماضية.
غير أن هذا الموقف لم يرتق إلى مستوى الطموحات و المطالب التي كانت تنادي بها منظمات المجتمع المدني و أحزاب المعارضة اليسارية والقومية، وحتى من داخل الإئتلاف الحاكم كحزب «نداء تونس»، و لا تزال، من أجل عودة العلاقات بين تونس وسورية بصورة كاملة.
وبعد رحيل الطيب البكوش الذي كان من أنصار العودة الكاملة للعلاقات الديبلوماسية بين تونس وسورية، كشف وزير خارجية تونس الذي خلفه، السيد خميس الجهيناوي الذي عمل قنصلاً في المكتب الذي افتتحته تونس في تل أبيب زمن التكالب العربي على التطبيع مع الكيان الصهيوني بعد توقيع اتفاق أوسلو 13أيلول/سبتمبر 1993، وتوقيع اتفاقية وادي عربة بين المملكة الأردنية و الكيان الصهيوني في عام 1994، وانطلاق المفاوضات المتعددة الأطراف بين الكيان الصهيوني و بلدان الشرق الأوسط،كشف خميس الجهيناوي في تصريحان نقلتها وسائل إعلام محلية مع بداية سنة 2017 ،عن أن قرارقطع العلاقات مع سورية، الذي يعود لعام 2012 ، لم يتم تفعيله بعد كما تنص على ذلك اتفاقية فيينا، والتي تقضي بضرورة إعلام منظمة الأمم المتحدة بذلك.وأضاف الجهيناوي ،إن العلاقات الدبلوماسية مع سورية لم «تنقطع أبدًا»، على الرغم من أن الرئيس السابق المنصف المرزوقي كان أعلن عن قطعها في 2012 دعمًا للمحور القطر –الخليجي-التركي-الأميركي من أجل إسقاط الدولة الوطنية السورية.
وفي تصريح جديد لوزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي أمام البرلمان ردًّا على أسئلة النواب بشأن العلاقات التونسية-السورية، أكد الجهيناوي أن العلاقات مع سورية لم تقطع بدليل عمل البعثة التونسية في سورية، التي تتابع عن كثب ما يجري هناك، وتقدم خدماتها الممكنة إلى التونسيين المقيمين في سورية.وأعرب الجهيناوي عن أسفه لسوء الأوضاع الأمنية في سورية،لأنّه لا يسمح لأعضاء البعثة بأداء مهماتهم والتنقل داخل سورية لمساعدة التونسيين الموجودين هناك، وأيضا لمراقبة التونسيين الذين التحقوا ببؤر التوتر والإرهاب.
- السؤال: كتابك الأخير كيف تقدمه للقارئ التونسي، وماهي أهم أفكاره وما أردت أن توصله للقارئ العربي بالأساس؟
- الجواب: تظل الفكرة الجوهرية التي تؤكد عليها الدراسة في مختلف فصول هذا الكتاب: «الدولة الوطنية السورية و الحرب على الإرهاب»، هي استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية خلال العقد الأخير من القرن الماضي وبدايات هذا القرن، على إعادة الهندسة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط، عبر انتهاج سياسة التفكيك و التفتيت للدول الوطنية العربية في الإقليم، لإنتاج نموذج للتغيير السياسي في المنطقة انطلاقاً من العراق. وافترضت السياسة الأميركية أنّ إحداثها تغييرًا سياسيًا مواتيًا وخاضعًا في العراق، الذي كان مستقرًا إثنيًا تحت حكم صدام حسين، ولم يشهد بروز تيارات سلفية جهادية محافظة، رغم هزيمته الساحقة في حرب تحرير الكويت، وسنوات الحصار الطويلة، سيمثل حجر الدومينو الذي يمكنه إطلاق موجة تغيير سياسي مُدَارٍ أميركيًا في دول الإقليم . وواجه التدخل الأميركي كلا جناحي العداء اللذين استحثتهما إعادة الهندسة المتصورة أميركيًا، وهما الأنظمة الحاكمة القلقة على وجودها، والإسلام السياسي، الذي وجد أكثر تياراته محافظة فرصة غير مسبوقة لحشد الأنصار وتعبئتهم، ليس في العراق فحسب، بل عبر المنطقة بأسرها، من خلال استحضار شعارات الصراع المقدس.
ومرّة أخرى كانت سورية في بؤرة تداعيات هذه المرحلة الجديدة من مشروع الهندسة الإقليمية الأميركي،والذي تشارك فيه قوى إقليمية خليجية وتركية وصهيونية،دؤوبة ،لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وتقسيم سورية إلى عدة دول على أساس طائفي ومذهبي وعرقي.غير إنّ ما جرى في العراق وسورية، من تنامي سطوة التنظيمات الإرهابية خلال السنوات القليلة الماضية ،يؤكد مرّة أخرى فشل مغامرة الولايات المتحدة ومعها تركيا والمملكة السعودية وقطر.فالوقائع في البلدين العربيين، تثبت أن مدبّري هذه المغامرة العسكرية، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، لم يعودوا يسيطرون عليها كذلك. ويتحمل الغرب مسؤولية زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والمغرب العربي،ما نجم عنها من عواقب وخيمة، لجهة تحطيم الدولتين العراقية والليبية،والعمل على إسقاط الدولة الوطنية السورية التي كادت أن تنهار لولا وقوف الحلفاء (الروس و الإيرانيون وحزب الله)إلى جانبها في الحرب على الإرهاب…
- السؤال: في الختام ما هي رسائلك للنخب التونسية حتى يمكنها تجاوز التناحر والتجاذب الايديولوجيين؟
- الجواب: لا يزال الصراع حول مشروع المجتمع الذي يريده الشعب التونسي قائما، ولم يحسم بعد، رغم إقرار دستور توافقي. فالنخب التونسية السياسية و الثقافية، وحتى الطبقات و الفئات في المجتمع التونسي ، لا تزال منقسمة بين فريقين:
- الأول: يؤيد نموذج المجتمع الذي تبشر به حركة النهضة ، التي لا تزال تعتبر نفسها حزباً إسلاميا معتدلاً ملتزماً بسياسة التوافق باعتبارها ضرورية في المرحلة المقبلة ، وكشرط لإنجاح المسار الديمقراطي في تونس، و لكن حركة النهضة ملتزمة في الوقت عينه بمرجعية فكر الإخوان المسلمين ،و ببناء الدولة الإسلامية بالتدرج.
- الثاني: يمثله حزب الباجي قائد السبسي، إذ يدافع عن المشروع المجتمعي القائم على تبني الفكر الحداثوي، وقيم العلمانية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، فقد قال الباجي القائد السبسي بمناسبة ترشحه للانتخابات الرئاسية: “إن الانتخابات يتنافس فيها مشروعان: المشروع الإسلامي ومشروع بناء تونس العصرية (تونس القرن 21)، حزبنا يمثل المشروع الثاني ولن يتحالف إلا مع الأطراف التي تشاركه نفس المرجعية مع إيمانه بحق كل الأطراف في النشاط”. واستبعد الباجي القائد السبسي التحالف مع النهضة ما لم “توضح موقفها” من جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها مصر تنظيما “إرهابيا”.وتقول أحزاب معارضة تونسية إن حركة النهضة الإسلامية جزء من “التنظيم العالمي للإخوان المسلمين”، وأنها تخطط على المدى الطويل لإقامة “دولة خلافة إسلامية” في تونس في حين تنفي الحركة ذلك.
رغم أن جوهر الصراع الفكري و الثقافي في تونس، يتمحور حول المشروع المجتمعي، فإن النخب الفكرية و السياسية التونسية لا تزال تراوح بين المساندة و إضفاء الصبغة الشرعية للسلط الحاكمة و بين المعارضة و التهديد لها، فالنخب الفكرية و السياسية، اصطدمت أيضا بعوائق بنيوية يتسم بها المجتمع التونسي، و تتمثل فيما يلي:
- حالة الخوف كظاهرة مرضية(باتولوجية) أصبحت مستوطنة في نفسيات الغالبية العظمى من المجتمع التونسي،حيث بات التونسي شخصية خائفة من كل شيىء.
2-استشراس أزمة الثقة لدى المجتمع التونسي بسبب هيمنة نزعة الريبة، و الشك، و الاحتياط، و الاستنفار، وهي مجموعة من الخصائص، تجعل التواصل مع أفراد الشعب التونسي من جانب النخب الفكرية و السياسية في غاية من الصعوبة، ولا يمكن كسر هذه الحالة إلا من خلال استخدام العلاقات العشائرية كآلية للتواصل السياسي وغيره
3-سيطلرة نزعة التذمر على نفسية الفرد التونسي ، باعتبارها ناجمة عن الخوف المبالغ فيه الذي يشعربه التونسي،و عن هيمنة حالة مرضية أخرى هي الرفض المصحوب بغياب البديل الأمثل…
4-هيمنة الروح الانهزامية للمواطن التونسي، بسبب انعدام الثقة بينه و بين الأحزاب السياسية و الطبقة السياسية الحاكمة، وحتى المثقفين، إلى درجة أنه بات يشكك في أي بديل يمكن أن يقدم أجوبة عقلانية للتحديات التي تواجهها تونس.
لقد أسهمت هذه العوائق البنيوية في نفسية المجتمع التونسي لكي تشكل حواجز حقيقية تعيق عملية التفاعل بين النخب التونسية الفكرية و السياسية و بقية مكونات المجتمع التونسي ، لكن هذا يشكل نصف الحقيقة، فللنخب التونسية أمراضها أيضاً،ومنها على سبيل المثال:
1-حالة العزلة المعنوية التي تعانيها هذه النخب بينها و بين الشعب التونسي ، فهي نخب متقوقعة في العاصمة، أو في المناطق الحضرية داخل المدن التونسية، و تعيش عزلة حقيقية في التواصل مع بقية أفراد الشعب التونسي.
2-استشراس الطبيعة الانتهازية للنخب التونسية الفاعلة، تتمثل في تعدد الإنتماءات التنظيمية للشخص الواحد والتي تصل عند بعضهم الـ4 أو الـ5 إنتماءات (معارضة، منظمات غير حكومية…).
3-الفجوة الطبقية الموجودة بين النخب التونسية، التي استطاعت أن تحقق مصالحها الطبقية، وامتيازاتها المادية من خلال حصولها على الشهادات الجامعية التي مكنتها من تبوؤ مراكز عمل مرموقة في المرحلة الماضية، وبين بقية أفراد الشعب، حيث بات ينظر المجتمع التونسي إلى النخب، بوصفها فئة طبقية محظوظة من المجتمع، إضافة إلى عدم إحساس النخب التونسية بمعاناة الشعب التونسي، وهذا ما يخلق هوة كبيرة في العلاقة بين الطرفين.