حصري : مقداد إسعاد يتحدث عن الأيام المغاربية في نسختها الثالثة

- سيدي مقداد لو تقدم لنا نفسك، ولو تقدم لنا جمعية “يوغرطة للاندماج المغاربي” وأسباب تركيزها على البعد المغاربي؟
يطيب لي أن أعرف نفسي بمهنة النشر، أسست من قرابة الأربعة عقود دار نشر الزيتونة للإعلام والنشر في فرنسا ثم في الجزائر. وهي دار مختصة في الخرائط واللوحات التعليمية المختلفة. هذا لكني اخترت لنفسي طريقة في التواصل مع الجامعة والدراسة، أعود اليها بعد من فترة لأخرى. من استاذية في الاقتصاد والتسيير في جامعة باريس 12 وأيضا استاذية في الفلسفة (مذكرة حول الفيلسوف الألماني نيتشه) الى ماجستير في الجزائر تخصص تجارة دولية (موضوع المواد الأولية في اتفاقية لومي). وفي تناوب بين عملي في مهنة النشر والدراسة والبحث، حضرت مستر 2 في جامعة ليون حول التنمية الإقليمية (منطقة الهوقار في صحراء الجزائر) ثم مستر 2 اخر في العلاقات الدولية (المنظمة العالمية للفرونكفونية) وأخيرا تفرغت لبحث الدكتوراه في العلاقات الدولية حول السيادة الوطنية (العلاقات الجزائرية الفرنسية او ميلاد الجزائر الحديثة من رحم الاستعمار). وهو بحث نال اهتمامي انهيته واودعته لكن لم اناقشه بعد. وكنت عضوا في المجلس العلمي لجامعة ليون الثالثة الفرنسية.
هذا أما جمعية يوغرطة فقد جاءت كنتيجة لتطور فكري وفهمي مع الممارسة والزمن وأيضا الفهم. هي أداة نضال ووسيلة عملية لأجيب على سؤال كان يحيرني منذ طفولتي: ما السبيل لنهضة بلادي وأمتي الإسلامية؟
وجوابه الوحدة، ليس بذاك الحلم الغير واقعي والغير قابل للحدوث بل كحلم قابل للتحقيق إذا ما وعى العاملون له سنن التعيير. لقد فشل دعاة الخلافة مثلا ليس لشدة أعداء هذا النوع من نظم الحكم (أعداء الإسلام) وانما لأنه يقوم على أسس خاطئة في زمن التوسع الجغرافي والتزايد السكاني، فرضت الدولة الحديثة نفسها كإضافة بشرية لتسيير حياتها في مقابل ذاك النظام الهلامي القديم تحت سيطرة الكنيسة في أوروبا أو نظام الخلافة عندنا.
عملية التنمية وخلق الثروة والنهضة للأمم عامة وللعرب خاصة هي مبتغى الأمم. اشكال الدول ككل كائن هو اشكال وجود في عالم غير مستقر. هي عملية بحث واجتهاد في اتجاهين انطلاقا من الوحدة السياسة (الدولة) كلبنة الأساس. اجتهاد داخليا بالبحث عن أنجع السبل في حكامة راشدة تنطلق أساسا من المحلي في التسيير الشفاف وتشريك الساكنة المحلية في اقتراحات السياسات ثم مراقبة القائمين على تسييرها في جو يحكمه التعاون والمصلحة العامة.
هذا داخليا أما خارجيا فكذلك انطلاقا من تلك الوحدة السياسية السيدة يكون التوجه للخارج ضمن خيارات سيادية أيضا بفهم لأولوية البلد في سياساته الخارجية. الدول المغاربية تمثل كتلة متجانسة ثقافيا ومتواصلة جغرافيا وتاريخيا. فكرة المشروع الذي ادافع عنه هي عصارة فهم لضرورة التوجه مغاربيا أولا باندماج افقي في مجال الاقتصاد والامن وغيرها ثم تنطلق المنطقة بصوت واحد ككتلة صماء الى باقي العالم. هكذا تكون الدولة المغاربية قوية بمحيطها الجهوي، لها وزنها سواء كسوق مستهلك أو كمنتج من حيث الاقتصاد وكمحيط له مناعته أمنيا، يحترمه الجميع.
اذا هذه العلاقة الجدلية بين المستويات الثلاث المحلي والإقليمي والدولي، تريد أن تحدد أولا داخل كل قطر بتفاعلاته الداخلية لقواه الحية في جو الشفافية والديمقراطية. وتنتهي بفرض الأولوية المغاربية كخيار، يسانده الشعب في كل بلد يفرض نفسه على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية طبعا. أعجب مثلا أن تكون الأولوية المغاربية مدرجة في برامج الأحزاب رغم انه يمكن أن ينبع منها مشروع مقنع وقوي.
في غياب هذه الرؤيا وهكذا مشروع تبقي كل الدولة مغاربية في مهب الريح تتجه كل منها حيث أراد لها الاخرون من أقوياء العلم بل حتى من ضعفاءهم ممن وجدوا منفذا بالمصالح مثلا الى أصحاب القرار من حكام البلد أو المنفذون فيه. هي فكرة كبيرة مازالت تحتاج زيادة بحث على المستوى الفكري والحبك المنهجي لتصبح مطلب الجميع الرسميين والشعب أيضا في كل بلد. ذلك أن المنطقة المغاربية على التشابه والوحدة ثقافيا فيها ثراء وتنوع وتكامل بحيث يكون دواء كل داء في منطقة موجود عند جارتها.
تعد المنطقة المغاربية 100 مليون نسمة، وهو عدد كاف ليزن عالميا 10 في المائدة منهم يعيشون خارجها. وهي جالية تكاد تكون فريدة من نوعها في العالم طبعت أوروبا، وهي في جيلها الرابع وتعد الذراع القوي المتمدد خارج المنطقة المغاربية.
إذا اشكال هذا المشروع المغاربي هو كيف يصبح مطلب شعوب جائعة تعيش لحظتها وهي واقعة تحت ماسي الفقر واليأس؟
ورغم كل ذلك فان الوحدة المغاربية هي قضية وجود. المنطقة المغاربية في المستقبل تكون موحدة أو تندثر.
- لو تؤطر لنا النسخة الثالثة من ندوتكم المغاربية التي تنظمونها هذا الأسبوع؟
جمعية يوغرطة كما ذكرت هي أداة وإطار قانوني شفاف ونضيف، نعمل به لمشروع أكبر منها. نشأت في فرنسا سنة 2008 ثم في تونس بعد الثورة. انطلقت من المنطقة الحدودية وجعلت شعارها “الحدود عامل تنمية”. انطلقت من المحلي تطبيقا لكن ضمن التوجه الوطني والعالمي. للجمعية نشاطات لا تنقطع، وقد ثبتت وصمدت ضد التاكل الذي أصاب المجتمع المدني المطبوع بقصر مدي الحياة للجمعيات.
للجمعية عدة نشاطات سنوية، بعضها ظرفي واني وبعضها دوري مثل التظاهرة المغاربية التي تدخل هذه السنة طبعتها الثالثة، بدعم من الحكومة التونسية. كان من توصيات التظاهرة الأولى أن تتنقل التظاهرة بين الأقطار المغاربية الخمس وحتى الى فرنسا حيث الجالية الكبيرة، لكن ظروفنا وامكاناتنا لم تمكنا من ذلك، وأحسب أننا سننجح في ذلك مستقبلا.
موضوع هذه السنة هو عبارة عن موضوع وطرح لاشكال “المخزون الثقافي والسياحي المغاربي عامل وحدة وتنمية للمنطقة”. سنحاول أن نجيب على سؤال كيف نجعل الثقافة في خدمة الشعب والتنميةكباقي الثروات الطبيعية والبشرية وغيرها؟ كيف نثمن التراث ونحوله مطية لحياة أفضل للمنطقة؟
اختيار الموضوع أصلا يجعلنا نعمل في مجال مناسب للإجابة على اشكال الندوة، وذلك خلافا لمجال الاقتصاد مثلا أو السياسة. الندوة لا تخرج على خيار الجمعية في البحث عن الحلول الفعلية وليس للترف الفكري وتبرئة الذمة. انه اجتهاد فكري لكنه عملي يسعى الى اقتراحات ميدانية وحلول توضع أمام صاحب القرار بكل هدوء. الحضور هذه السنة نوعي من حيث مستوى المشاركين من الأساتذة الباحثين أو مسؤولي قطاعي الثقافة والسياحة. نناقش لمدة يومين ونخرج بتوصيات سنسعى لإيصالها الى أصحاب القرار بالكلمة الطيبة لكن بالإلحاح والتصميم اللازمين.
- تتعدد أنشطة المجتمع المدني لكن يبقى نشاطا نخبويا وظرفيا تنتهي آثاره بانتهاء الناشط، فما هي مؤيداتكم ان أنشطة جمعيتكم سوف تتجاوز ذلك الروتين المتعارف عليه عربيا؟
نشاطنا هذا وحده كاف ليجيب على السؤال. أمامكم الساحة السياسية والمجتمع المدني، وحقيقتها المرة هي الاندثار السريع للأحزاب والجمعيات. جمعيتنا لم تتوقف منذ انطلاقها، ولكل سنة إنجازاتها
وها هي تحقق تراكما في التجربة والعلاقات وتكسب انصارا ومؤيدين. دعم الحكومة لم يأت جزافا وانما بعد متابعة ومراقبة لنشاطاتنا وحساباتنا وأثر أعمالنا. أما الأصدقاء فيتزايدون لاقتناعهم بقوة الفكرة وجدوى العمل.
- من هم ضيوف هذه الندوة؟
ضيوف الندوة من الباحثين في التاريخ المغاربي ومن مسؤولي الثقافة في القطاعات المختلة في البلدان المغاربية. ضيفنا الشرفي مثلا هو الأستاذ الكبير الذي تكون على يديه جيل كامل من الأساتذة وهو مختص في تاريخ الثورة الجزائرية، هو الأستاذ العربي الزبيري عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير، نسأل الله له الشفاء فهو في سن متقدمة ويعاني من المرض.
هذا كما يحضر معنا وفد من مباردة صناعة الغد بقيادة مؤسسها الوزير السابق للتخطيط السيد بشير مصيطفى في مهمة استشرافية للمنطقة. وتجدون الباقين في البرنامج.
- ماهي الإضافات التي ترومون تحقيقها؟
صدمة وعي بمفارقة المنطقة المغاربية: ثراء مع حياة ضنك، موقع جيواستراتيجي متميز يستميت شبابه في الهروب منه، وحدة في الثقافة وفرقة في السياسة… نريد ان ننبه الجميع أن المنطقة بالنظر لثرواتها ووزنها وزخمها البشري ستتوحد حتما سواء بإرادة أبنائها ولصالحهم أو بإرادة أقوياء العالم ولغير صالح المنطقة. المنطقة المغاربية يجب أن يعمل فيها مشروع في عمق مشروع التحرير لكن بإشكالية جديدة هي الحياة الكريمة والتنمية. اشكال وجود.
- تشهد المنطقة تغيرات دراماتكية في الشرق الأوسط كيف ترون آثارها وتبعاتها مغاربيا؟
العالم الاسلامي يعيش وضعا شبيه جدا بما عاشه في الماضي في أحلك لياليه. قتل التتار خليفة المسلمين في بغداد شر قتلة. وضعوه في كيس ترفسه أحصنتهم. كان الجندي التتري يلقى الرجل فيقول له انتظرني حتى اتي بسيفي واقتلك، فيتجمد مكانه في انتظار مصيره المحتوم. أتمني أن لا يكون المغرب العربي ينتظر تائها مصيرا ليس له فيه دور. لست أجري ما يراد لنا، لكني بتجربتي أصبحت أشك أن منطقتنا مستقرة شيئا ما بإرادتنا بل حسب أجندة الأقوياء وهم وحدهم يعلمون متى يأتي دورنا. منطقة دون منعة.
- دولة الجزائر هي الوحيدة التي تمتلك وزارة خاصة بالشؤون الثقافية والمغاربية، هل استفادت جمعيتكم من ذلك خاصة وأنكم تقيمون هناك منذ ثلاث عقود؟
حضوري في الجزائر قوي، فهي لا أقول بلدي الثاني بل بلدي الاخر. أحمل جنسيتين وأرفض غيرهما رغم اقامتي في فرنسا من زمن بعيد. أعرف الجزائر ظهرا عن قلب سواء من خلال عملي وتنقلاتي أو من خلال بحثي المعمق في تخصص العلم السياسي عن الدولة الجزائرية. أستدعى بانتظام في وسائل الاعلام المختلفة وخاصة قناتي المفضلة إذاعة الجزائر الدولية.
جمعيتنا باسمها يوغرطة أصلا تستهوي الجزائريين، فيوغرطة عندهم جزائري أولا. يعتزون به ويسمون ابناءهم باسمه فهو رمز للمقاومة والتحدي والعزة والنخوة. ونحن نعد الان لتسجيل جمعية بهذا الاسم في الجزائر.
- ماهي رسالتك للسياسيين في تونس ليكون لهم اهتمام بالاندماج المغاربي؟
فكرة الوحدة المغاربية كانت قديمة عندي لكنيها أخذت في الوضوح تدريجيا ولعل واحدا ممن أثر في هو أستاذي في الماجستير بالمدرسة العليا للإدارة والتسيير بالجزائر التابعة للوزارة الأولى وقتها. كان يكرر مقولة أن المغرب العربي في حال وحدته يكون منطقيا القوة الرابعة بعد أمريكا أوروبا واليابان. والاستاذ هذا هو الوزير السابق محند شريفي وزير التجارة السابق المتخرج من جامعة هارفارد الامريكية. تناغمنا والتقينا واستفدت منه الكثير رغم خلافنا الأيديولوجي، فانا إسلامي التوجه والنضال وهو ينتمي لجزب جبهة القوى الاشتراكية بقيادة المرحوم المناضل اية أحمد.
رسالتي للسياسيين في تونس هي وقفة صدق للواحد مع نفسه. تونس كبيرة وغنية بتاريخها ورمزيتها وموقعها الجغرافي. ذلك ما كررته منذ الثورة وازيد اليوم عنصرا اخر وهو ثورتها رغم تراجع الأمل عند الشعب التونسي الذي أصبح يذكرها باستحياء. لم يرفع علم تونس في أكبر ميادين العواصم العالمين ويسمع نشيدها الا بثورتها. ولو ما ثورتها لما وجد كثير ممن يتصدرون القرار اليوم في تونس من يهتم بهم وقد عاش بعضهم في السجون ويعضهم مشردا. رفعهم شباب تونس بثورته الى مصاف القادة العالميين. ليس لهم أن يتنكروا لمن أكرمهم واعلا شأنهم، فاللئيم وحده يتمرد.
تونس لها من أوراق القوة ما يجعلها تنال احترام الجميع، هي اليوم مريضة وليس لها من طبيب الا ابناءها وخاصة الفاعلون والنشطاء وعليهم تقع مهمة التفكير– نعم التفكير قبل الحركة – في جو التعاون والاحترام المتبادل في عملية توافق شامل بين قواها الحية وليس توافقا ثنائيا بين قطبي النهضة والنداء الذي أغلق اللعبة السياسية وجعل تونس محكومة من الخارج مالا وسياسة بل وثقافة وأمنا.
أفيقوا.